3828 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلَا يَجْتَمِعَ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَزَادَ النَّسَائِيُّ فِي أُخْرَى: (فِي مَنْخِرَيْ مُسْلِمٍ أَبَدًا. وَفِي أُخْرَى: ( «فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا، وَلَا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالْإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3828 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَلِجُ النَّارَ) ; أَيْ لَا يَدْخُلُهَا (مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) : فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنَ الْخَشْيَةِ امْتِثَالُ الطَّاعَةِ وَاجْتِنَابُ الْمَعْصِيَةِ (حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ) : هَذَا مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] ( «وَلَا يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ» ) : فَكَأَنَّهُمَا ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا أَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ نَقِيضَانِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَكَذَا النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ (وَزَادَ النَّسَائِيُّ فِي أُخْرَى) : أَيْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (فِي مَنْخِرَيْ مُسْلِمٍ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَفْصَحُ، فَفِي الصَّحَّاحِ: الْمَنْخِرُ ثُقْبُ الْأَنْفِ وَقَدْ تُكْسَرُ الْمِيمُ اتِّبَاعًا لِكَسْرَةِ الْخَاءِ، وَفِي الْقَامُوسِ: الْمَنْخَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْخَاءِ وَبِكَسْرِهِمَا وَضَمِّهِمَا وَكَمَجْلِسٍ خَرْقُ الْأَنْفِ، وَفِي الضِّيَاءِ: حَقِيقَتُهُ مَوْضِعُ النَّخْرِ وَهُوَ مَدُّ النَّفَسِ فِي الْخَيَاشِيمِ، وَالْمَعْنَى لَا يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي خَرْقَيْ أَنْفِ مُسْلِمٍ (أَبَدًا) : أَيْ فِي زَمَانٍ مِنَ الْأَزْمَانِ (وَفِي أُخْرَى لَهُ) : أَيْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلنَّسَائِيِّ (فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا) : أَيْ حَيْثُ دَخَلَ فِيهِ الْغُبَارُ، فَيَمْتَنِعُ دُخُولُ الدُّخَانِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ (وَلَا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ) : أَيِ الْبُخْلُ الَّذِي يُوجِبُ مَنْعَ الْوَاجِبِ، أَوْ يَجُرُّ إِلَى ظُلْمِ الْعِبَادِ (وَالْإِيمَانُ) : أَيِ الْكَامِلُ (فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا) : الْكَشَّافُ: الشُّحُّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ اللَّوْمُ، وَأَنْ تَكُونَ نَفْسُ الرَّجُلِ كَزَّةً حَرِيصَةً عَلَى الْمَنْعِ، وَقَدْ أُضِيفَ إِلَى النَّفْسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] ; لِأَنَّهُ غَرِيزَةٌ فِيهَا، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء: 100] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ مِنَ الْآيَاتِ الْمَنْسُوخَةِ: " «لَوْكَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مَنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا وَلَنْ يَمْلَأَ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ» "، وَأَمَّا الْبُخْلُ فَهُوَ الْمَنْعُ نَفْسُهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَإِذَنِ الْبُخْلُ أَعَمُّ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْبُخْلُ وَلَا شُحَّ ثَمَّةَ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَعَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ فَقَالَ: مَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [الحشر: 9] ; أَيْ يَحْفَظُ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] وَأَنَا رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يَكَادُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ يَدِي شَيْءٌ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ ذَاكَ بِالشُّحِّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ إِنَّمَا الشُّحُّ أَنْ تَأْكُلَ مَالَ أَخِيكَ ظُلْمًا وَلَكِنْ ذَاكَ الْبُخْلُ وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْبُخْلُ وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: إِدْخَالُ الْحَرَامِ وَمَنْعُ الزَّكَاةِ، وَرَوَيْنَا عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «اتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمْلَهُمْ أَنْ يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَيَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَهُمْ» ".
وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو حَفْصٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ عِبَارَةٌ عَنْ رُوحٍ وَنَفْسٍ وَقَلْبٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ قَلْبًا ; لِأَنَّهُ تَارَةً يَمِيلُ إِلَى الرُّوحِ وَيَتَّصِفُ بِصِفَتِهَا فَيَتَنَوَّرُ وَيُفْلِحُ، وَأُخْرَى إِلَى النَّفْسِ