قَالَ: أَيْ مَا بَاعِثُكَ؟ (عَلَى قَوْلِكَ: بَخْ بَخْ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ!) : قَالَ بَعْضُهُمْ: فَهِمَ عُمَيْرٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَرَوِيَّةٍ شَبِيهًا بِقَوْلِ مَنْ سَلَكَ مَسْلَكَ الْهَزْلِ وَالْمِزَاحِ، فَنَفَى عُمَيْرٌ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ (إِلَّا رَجَاءَ) : بِتَرْكِ التَّنْوِينِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّنْوِينِ، وَفِي نُسْخَةٍ رَجَاءَةَ بِالتَّاءِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: إِلَّا رَجَاءَةَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ بِالْمَدِّ وَنَصْبِ التَّاءِ، وَفِي بَعْضِهَا رَجَاءَ بِلَا تَنْوِينٍ، وَفِي بَعْضِهَا بِالتَّنْوِينِ مَمْدُودَانِ بِحَذْفِ التَّاءِ كُلُّهَا صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ، وَالْمَعْنَى إِلَّا لِطَمَعِ (أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا) : أَيْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ مُقَدَّرٍ، وَقِيلَ الْأَوْلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا قَالَ (قُومُوا إِلَى الْجَنَّةِ بِبَذْلِ الْأَرْوَاحِ) . قَالَ عُمَيْرٌ: بَخْ بَخْ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ وَتَفْخِيمًا لَهُ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا التَّعْظِيمِ أَخَوْفًا قُلْتَ هَذَا أَمْ رَجَاءً؟ " فَقَالَ: لَا بَلْ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. (قَالَ) : أَيْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا) : خَبَّرٌ، أَوْ دُعَاءٌ (قَالَ) : أَيِ الرَّاوِي (فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ) : بِفَتَحَاتٍ وَفِي نُسْخَةٍ تُمَيْرَاتٍ بِالتَّصْغِيرِ لِلتَّقْلِيلِ (مِنْ قَرْنِهِ) : بِقَافٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ جَعْبَةُ النِّشَابِ (فَجَعَلَ) : أَيْ شَرَعَ (يَأْكُلُ مِنْهُنَّ) : تَقْوِيَةً لِلْبَدَنِ عَلَى الْجِهَادِ (ثُمَّ قَالَ) : أَيْ فِي أَثْنَاءِ أَكْلِهَا (لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ ; أَيْ عِشْتُ وَاللَّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ وَإِنْ شَرْطِيَّةٌ، وَأَنَا فَاعِلُ فِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ (حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي) : أَيْ جَمِيعَهَا (إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ) : يَعْنِي وَالْأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِكَ شَوْقًا إِلَى الشَّهَادَةِ وَذَوْقًا إِلَى الشُّهُودِ، وَهِيَ جَوَابُ الْقَسَمِ وَاكْتُفِيَ بِهِ عَنْ جَوَابِ الشَّرْطِ (قَالَ) : أَيِ الرَّاوِي (فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ) : الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِتَقْوِيَةِ التَّعْدِيَةِ ; أَيْ طَرَحَ جَمِيعَ مَا كَانَ مَعَهُ (مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِ الْمَعَانِي، فَيُقَالُ: إِنَّ الضَّمِيرَ الْمُنْفَصِلَ قُدِّمَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَهُوَ عَلَى مِنْوَالِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} [الإسراء: 100] فَكَأَنَّهُ وَجَدَ نَفْسَهُ مُخْتَارَةً لِلْحَيَاةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْإِنْكَارَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ اسْتِبْطَاءً لِلِانْتِدَابِ بِمَا نُدِبَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ ". ; أَيْ سَارِعُوا إِلَيْهَا وَمِمَّا ارْتَجَزَ بِهِ عُمَيْرٌ يَوْمَئِذٍ قَوْلُهُ:

رَكْضًا إِلَى اللَّهِ بِغَيْرِ زَادِ ... إِلَّا التُّقَى وَعَمَلِ الْمَعَادِ

وَالصَّبْرِ فِي اللَّهِ عَلَى الْجِهَادِ ... فَكُلُّ زَادٍ عُرْضَةُ النَّفَادِ

غَيْرَ التُّقَى وَالْبِرِّ وَالرَّشَادِ

أَيِ: ارْكُضْ رَكْضًا وَأَسْرِعْ إِسْرَاعًا مِثْلَ إِسْرَاعِ الْخَيْلِ وَرَكْضِهِ، خَفَّفَ فِي الْقَوْلِ كَمَا خَفَّفَ فِي الْأَكْلِ مُبَادَرَةً إِلَى مَا انْتُدِبَ إِلَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015