[كِتَابُ الْجِهَادِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

3787 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ ; كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا. قَالُوا: أَفَلَا نُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[18] كِتَابُ الْجِهَادِ

الْجِهَادُ: بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَهُوَ لُغَةً الْمَشَقَّةُ، وَشَرْعًا بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ مُبَاشَرَةً، أَوْ مُعَاوَنَةً بِالْمَالِ، أَوْ بِالرَّأْيِ، أَوْ بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي الْمُغْرِبِ: جَهَدَهُ حَمَّلَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، وَالْجِهَادُ مَصْدَرُ جَاهَدْتُ الْعَدُوَّ إِذَا قَابَلْتَهُ فِي تَحَمُّلِ الْجَهْدِ، أَوْ بَذَلَ كُلٌّ مِنْكُمَا جُهْدَهُ ; أَيْ: طَاقَتَهُ فِي دَفْعِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ غَلَبَ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَهُوَ دَعْوَتُهُمْ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَقِتَالُهُمْ إِنْ لَمْ يَقْبَلُوا، وَفَضْلُ الْجِهَادِ عَظِيمٌ، وَكَيْفَ وَحَاصِلُهُ بَذْلُ أَعَزِّ الْمَحْبُوبَاتِ؟ وَإِدْخَالُ أَعْظَمِ الْمَشَقَّاتِ عَلَيْهِ؟ وَهُوَ نَفْسُ الْإِنْسَانِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَقَرُّبًا بِذَلِكَ إِلَيْهِ تَعَالَى، وَأَشَقُّ مِنْهُ قَصْرُ النَّفْسِ عَلَى الطَّاعَاتِ فِي النَّشَاطِ، وَدَفْعُ الْكَسَلِ عَلَى الدَّوَامِ، وَمُجَانَبَةُ أَهَوِيَتِهَا. وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ رَجَعَ مِنْ غُزَاةٍ: " «رَجَعْنَا مِنِ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» " وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهُ فِي الْفَضِيلَةِ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا، فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ; أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: " بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ". قُلْتُ: ثُمَّ ; أَيُّ؟ قَالَ: " الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ جَعَلَهُ أَفْضَلَ بَعْدَ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " ; إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ " قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " حَجٌّ مَبْرُورٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَةَ مُعَارَضَةٍ، لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ السَّائِلِ، فَإِذَا كَانَ السَّائِلُ يَلِيقُ بِهِ الْجِهَادُ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ تَهْيِئَتِهِ لَهُ وَاسْتِعْدَادِهِ زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِ كَانَ الْجِهَادُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا لَيْسَ مِثْلِهِ فِي الْجَلَادَةِ وَالْغِنَى، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، وَتِلْكَ هِيَ الْفَرَائِضُ، وَفِي هَذَا لَا يَتَرَدَّدُ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَأَخْذَ النَّفْسِ بِهَا فِي أَوْقَاتِهَا عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: «الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا أَفْضَلُ مِنِ الْجِهَادِ» ; لِأَنَّ هَذِهِ فَرْضُ عَيْنٍ وَتَتَكَرَّرُ، وَالْجِهَادُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ افْتِرَاضَ الْجِهَادِ لَيْسَ إِلَّا لِلْإِيمَانِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ مَقْصُودًا وَحَسَنًا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا حَسَنَةٌ لِعَيْنِهَا، وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَفِيهِ طُولٌ إِلَى أَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015