مَظِنَّةَ التُّهَمَةِ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى ثِقَلِ مَحْمِلِهَا، وَصُعُوبَةِ أَدَائِهَا، وَلِذَلِكَ مَثَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا لَهُ مِنَ التَّكْلِيفَاتِ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72] (وَلَا تَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ) ; أَيْ لَا تَحْكُمْ بَيْنَ شَخْصَيْنِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» ) وَسَيَأْتِي، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَهَى أَبَا ذَرٍّ عَنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ، وَالْحُكْمِ فِي الْخُصُومَةِ ; لِضَعْفِهِ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ الْإِمَارَةَ ; قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ»
".