246 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَةً: " «يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ، فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي جَامِعِهِ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمَثَلُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى: وَسَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
246 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً) : بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ رَفْعِ الْحَدِيثِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا لَكَانَ مَوْقُوفًا (يُوشِكُ) : بِالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، أَيْ: يَقْرُبُ (أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ) : هُوَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ اسْمٌ لِيُوشِكَ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْخَبَرِ لِاشْتِمَالِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ (أَكْبَادَ الْإِبِلِ) : أَيِ: الْمُحَاذِيَ لِأَكْبَادِهَا، يَعْنِي يَرْحَلُونَ وَيُسَافِرُونَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إِسْرَاعِ الْإِبِلِ وَإِجْهَادِهَا فِي السَّيْرِ، فَتُسْتَضَرُّ بِذَلِكَ فَتُقْطَعُ أَكْبَادُهَا مِنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ، وَيَمَسُّهَا الْأَدْوَاءُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ، فَتَصِيرُ كَأَنَّهَا ضُرِبَتْ أَكْبَادُهَا مَكَانَ ضَرْبِهَا عَلَى السَّيْرِ، وَقِيلَ: أَيْ يُجْهِدُونَ الْإِبِلَ وَيَرْكُضُونَهَا، كَنَّى بِضَرْبِ الْأَكْبَادِ عَنِ السَّيْرِ وَالرَّكْضِ، لِأَنَّ أَكْبَادَ الْإِبِلِ وَالْفَرَسِ وَغَيْرِهِمَا تَتَحَرَّكُ عِنْدَ الرَّكْضِ وَيَلْحَقُهَا ضَرَرٌ وَقَطْعٌ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: ضَرْبُ أَكْبَادِ الْإِبِلِ كِنَايَةٌ عَنِ السَّيْرِ السَّرِيعِ، لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ يَرْكَبُ الْإِبِلَ وَيَضْرِبُ عَلَى أَكْبَادِهَا بِالرِّجْلِ، وَفِي إِيرَادِ هَذَا الْقَوْلِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ طَلَبَةَ الْعِلْمِ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا وَأَعَزُّهُمْ مَطْلَبًا، لِأَنَّ الْجِدَّ فِي الطَّلَبِ إِنَّمَا يَكُونُ بِقَدْرِ شِدَّةِ الْحِرْصِ وَعِزَّةِ الْمَطْلَبِ، وَالْمَعْنَى: قَرُبَ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يَسِيرُ النَّاسُ سَيْرًا شَدِيدًا فِي الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ (يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ) : وَهُوَ حَالٌ أَوْ بَدَلٌ (فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا) أَيْ: فِي الْعَالَمِ (أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ) : قِيلَ: هَذَا فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَتِ الْعُلَمَاءُ الْفُحُولُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ مَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ، فَالْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ ذَاتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَالْإِضَافَةُ لِلْعَهْدِ (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي جَامِعِهِ) : بِالْوَاوِ أَيْ: ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ تَفْسِيرَهُ فِي جَامِعِهِ بِقَوْلِهِ: (قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ) : اسْمُهُ سُفْيَانُ، وَهُوَ إِمَامٌ جَلِيلٌ، رَوَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرُهُمَا (إِنَّهُ) أَيْ عَالِمَ الْمَدِينَةِ (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) : وَهُوَ إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ وَأَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَهُوَ أُسْتَاذُ الشَّافِعِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ بِالْمَدِينَةِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْعِلْمِ أَعْلَمُ مِنْهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ: مِثْلُ مَقُولِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي مَالِكٍ مَنْقُولٌ (عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ) : وَهُوَ مِنْ فُضَلَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ أَحَدُ الْمَشْهُورِينَ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الرِّوَايَةِ، صَاحِبُ تَأْلِيفَاتٍ كَثِيرَةٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ التُّورِبِشْتِيِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ أُرِيدَ مُطَابَقَتُهُ إِيَّاهُ قُرِئَ " وَمِثْلَهُ " تَتِمَّةً لِلْكَلَامِ السَّابِقِ، وَابْتِدَاءً بِقَوْلِهِ " عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ " تَأَمَّلْ اهـ.