(لِلَّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُحَرَّمٍ أَيْ لِأَمْرِهِ أَوْ لِأَجْلِ أَوْلِيَائِهِ، إِذْ رُوِيَ أَنَّهُ حَرَّمَهُ عَلَى سَبِيلِ الْحُمَّى لِأَفْرَاسِ الْغُزَاةِ قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، ثُمَّ نُسِخَ، ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِنَّهُ لَا يُصَادُ فِيهِ وَلَا يُقْطَعْ شَجَرُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ضَمَانًا وَفِي مَعْنَاهُ النَّقِيعُ أَيْ بِالنُّونِ، وَتَقَدَّمَ نَقْلُ شَرْحِ السُّنَّةِ وَحَاصِلُهُ مَا يُوَافِقُ مَذْهَبَنَا مِنْ أَنَّ النَّقِيعَ حَمَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى حَلِّ صَيْدِهِ وَقَطْعِ نَبَاتِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَنْعُ الْكَلَإِ مِنَ الْعَامَّةِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّقِيعِ وَلَا بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ أَشْجَارِهِ كَالْمَوْقُوفِ، وَقَالَ شَارِحٌ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ عَلَى سَبِيلِ الْحُرْمَةِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ لِيَصِيرَ حِمًى لِلْمُسْلِمِينَ أَيْ مَرْعًى لِأَفْرَاسِ الْمُجَاهِدِينَ لَا يَرْعَاهَا غَيْرُهَا، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ إِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُرِيدُ غَزْوَةَ الطَّائِفِ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَعَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ فَرَأَى ذَلِكَ التَّحْرِيمَ لِيَرْتَفِقَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
قَالَ مِيرَكُ: حَدِيثُ الزُّبَيْرِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ قِصَّةٌ وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانَ الطَّائِفِيُّ وَأَبُوهُ، وَقَدْ سُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَفِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ: لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَقَالَ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَبَّانَ. اهـ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ عَدَمُ صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حُكْمٍ عَظِيمٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى تَحْرِيمٍ (وَقَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ) أَيْ صَاحِبُ الْمَصَابِيحِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ (وَجٌّ، ذَكَرُوا) أَيِ الْعُلَمَاءُ (أَنَّهَا مِنْ نَاحِيَةِ الطَّائِفِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةٌ، أَيْ نَاحِيَةٌ هِيَ الطَّائِفُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ جَمِيعَ الطَّائِفِ حَرَمٌ، وَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا قَالَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَقْوَالِ اللُّغَوِيِّينَ، وَمُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ أَيْضًا فِي بَيَانِ سَبَبِ جَعْلِهِ حَرَمًا ; إِنَّهُ جَاءَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَةِ الطَّائِفِ أَنَّ جِبْرِيلَ اقْتَلَعَ تِلْكَ الْأَرْضَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ثُمَّ حَمَلَهَا عَلَى جَنَاحِهِ وَأَتَى بِهَا مَكَّةَ، فَطَافَ بِهَا بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ وَضَعَهَا ثَمَّةَ، وَلَا بُعْدَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ قِطْعَةً مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ لِيُتَذَكَّرَ سَبَبُ تَحْرِيمِهَا فَيَسْتُرَ تَعْظِيمَ الطَّائِفِ جَمِيعَهَا، وَلَمْ يُحَرَّمْ كُلُّهُ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَلَى النَّاسِ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَى نَبَاتِهِ وَصَيْدِهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْمُنَاقَضَةِ وَكَذَا الْمُعَارَضَةُ بِمَا فِي تَحْرِيمِ مَكَّةَ إِجْمَاعًا، وَتَحْرِيمُ الْمَدِينَةِ عِنْدَهُمْ إِذَا الْمَشَقَّةُ عَامَّةٌ بَلْ فِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ أَكْثَرُ فَتَدَبَّرْ (وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ) أَيْ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ (أَنَّهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (بَدَلَ أَنَّهَا) وَهُوَ أَمْرٌ سَهْلٌ لِأَنَّ التَّذْكِيرَ بِاعْتِبَارِ الْمَوْضِعِ، وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ.