بِالْعُجَابِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى كُفْرِهِ، لِيَكُونَ مُخَلَّدًا فِي النَّارِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ الْمَلَكِ حَيْثُ قَالَ: إِدْخَالُهُ النَّارَ كَانَ مُجَازَاةً لَهُ عَلَى قَسَمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لِلْمُذْنِبِ ذَنْبَهُ، لِأَنَّهُ جَعَلَ النَّاسَ آيِسِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَحَكَمَ بِأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ غَفُورٍ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَالِغٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَصَدَرَ هَذَا الْكَلَامُ عَنْهُ فِي حَالِ غَضَبِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلَّهُ لَسُومِحَ بِهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَغْرُورًا بِاجْتِهَادِهِ مُحْتَقِرًا لِلْمُذْنِبِ لِأَجْلِ الْإِصْرَارِ عَلَى ذَنْبِهِ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ، وَلِذَا قِيلَ: مَعْصِيَةٌ أَوْرَثَتْ ذُلًّا وَاسْتِصْغَارًا خَيْرٌ مِنْ طَاعَةٍ أَوْجَبَتْ عُجْبًا وَاسْتِكْبَارًا.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَا يَا رَبِّ " أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَحَلِفَهُ فَاسْتَحَقَّ الْعِقَابَ، فَمِنْ ثَمَّ قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ لِأَنَّهُ آيَسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْهَا كُفْرٌ لِمَنِ اسْتَحَلَّهُ كَهَذَا الرَّجُلِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَلِفُهُ السَّابِقُ الْمُتَضَمِّنُ لِلْحُكْمِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَعَلَى صَاحِبِهِ بِأَنَّهُ يَئِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ يَأْسِ الْمُجْتَهِدِ وَاسْتِحْلَالِهِ وَكُفْرِهِ، غَيْرُ صَحِيحٍ، مَعَ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّنْزِيلِ يَكُونُ عَلَى مُعْتَقَدِ الْمُعْتَزِلِيِّ مِنْ عَدَمِ تَجْوِيزِ غُفْرَانِ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ، وَعَلَيْهِ ظَوَاهِرُ كَثِيرَةٌ مِنَ الْآيَاتِ فِي الْوَعِيدِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ بِتَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. نَعَمْ فِي الْحَدِيثِ رَدٌّ بَلِيغٌ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ، حَيْثُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفَرَ لِلْمُذْنِبِ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ بِرَحْمَتِهِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعِ الْمُذْنِبِ وَتَوْبَتِهِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .
وَرَوَى الْبَغَوِيُّ بِإِسْنَادِهِ فِي الْمَعَالِمِ، عَنْ ضَمْضَمَ بْنِ جَوْسٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَنَادَانِي شَيْخٌ فَقَالَ لِي: يَا يَمَامِيٌّ تَعَالَ. وَمَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ: لَا تَقُولَنَّ لِرَجُلٍ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَدًا وَلَا يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ. قُلْتُ: وَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ قَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ. قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ يَقُولُهَا أَحَدُنَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ إِذَا غَضِبَ أَوْ لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِخَادِمَتِهِ. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إِنَّ رَجُلَيْنِ " الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ بِدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ. اهـ. وَتَعْلِيلُ ابْنِ حَجَرٍ هُنَا بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا صَيَّرَتْهُ إِلَى النَّارِ الْمُؤَبَّدَةِ عَلَيْهِ خَطَأٌ ظَاهِرٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.