2281 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2281 - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ) : أَيْ: لَازِمُ الْجُلُوسِ وَدَائِمُ اللُّصُوقِ (عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ) : أَيِ: ابْنُ آدَمَ بِقَلْبِهِ، أَوْ ذَكَرَ قَلْبُهُ اللَّهَ (خَنَسَ) : أَيِ: انْقَبَضَ الشَّيْطَانُ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ وَاخْتَفَى، فَتَضْعُفُ وَسْوَسَتُهُ وَتَقِلُّ مَضَرَّتُهُ، (وَإِذَا غَفَلَ) : أَيْ: هُوَ، أَوْ قَلْبُهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (وَسْوَسَ) : أَيْ: إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَتَمَكَّنَ تَمَكُّنًا تَامًّا مِنْهُ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْغَفْلَةَ سَبَبُ الْوَسْوَسَةِ لَا الْعَكْسُ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعَامَّةِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا) : أَيْ: بِلَا ذِكْرِ سَنَدٍ.
وَذَكَرَ الْجَزَرِيُّ فِي الْحِصْنِ بِلَفْظِ: «مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَلِقَلْبِهِ بَيْتَانِ فِي أَحَدِهِمَا الْمَلَكُ، وَفِي الْآخَرِ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ وَضَعَ الشَّيْطَانُ مِنْقَارَهُ فِي قَلْبِهِ وَوَسْوَسَ لَهُ» . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَظَاهِرُ إِيرَادِ الشَّيْخِ - قُدِّسَ سِرُّهُ - يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ فِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مَرْفُوعًا ; لَكِنْ أَوْرَدَهُ صَاحِبُ السِّلَاحِ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي آخِرِهِ: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَرَوَاهُ فِي مُصَنَّفِهِ وَرِجَالُهُ وَرِجَالُ الصَّحِيحِ اهـ.
فَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي مُصَنَّفِهِ يَكُونُ مَرْفُوعًا، وَفِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ لَهُ مَوْقُوفًا، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ: " «إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خُرْطُومَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ وَإِنْ نَسِيَ الْتَقَمَ قَلْبَهُ» ". أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُؤَيِّدُ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ، أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ لَهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ لِلْقَلْبِ، فَرَآهُ جَاثِمًا تَحْتَ غُضْرُوفِ الْكَتِفِ الْأَيْسَرِ، كَالْبَعُوضِ لَهُ خُرْطُومٌ طَوِيلٌ يَدُسُّهُ ثُمَّ إِلَى أَنْ يَصِلَ الْقَلْبَ، فَإِنْ رَآهُ ذَاكِرًا خَنَسَ وَكَفَّ عَنْهُ، أَوْ غَافِلًا مَدَّ خُرْطُومَهُ إِلَيْهِ، وَأَلْقَى فِيهِ مِنْ جِنَايَتِهِ مَا أَرَادَ اللَّهُ، ثُمَّ لَا يَزَالُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ لَا يَبْقَى فِي الْقَلْبِ خَيْرٌ قَطُّ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» " فَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهُ قُوَّةً وَقُدْرَةً عَلَى أَنَّهُ يَجْرِي فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ وَعُرُوقِهِ مَجْرَى الدَّمِ فِي مَسَامَّ لَطِيفَةٍ مِنَ الْبَدَنِ فَتَصِلُ إِلَى الْقَلْبِ.