(الْفَصْلُ الثَّانِي)
2230 - عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ " ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] » ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(الْفَصْلُ الثَّانِي)
2230 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» أَيْ: هُوَ الْعِبَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي تَسْتَأْهِلُ أَنْ تُسَمَّى عِبَادَةً لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ، وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ، بِحَيْثُ لَا يَرْجُو وَلَا يَخَافُ إِلَّا إِيَّاهُ قَائِمًا بِوُجُوبِ الْعُبُودِيَّةِ، مُعْتَرِفًا بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، عَالِمًا بِنِعْمَةِ الْإِيجَادِ، طَالِبًا لِمَدَدِ الْإِمْدَادِ عَلَى وَفْقِ الْمُرَادِ، وَتَوْفِيقِ الْإِسْعَادِ. " ثُمَّ قَرَأَ ": {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] : قِيلَ: اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ عِبَادَةٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: اسْتَشْهَدَ بِالْآيَةِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَرْتِيبَ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ، وَالْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَيَكُونُ أَتَمَّ الْعِبَادَاتِ، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ " مُخُّ الْعِبَادَةِ " أَيْ: خَالِصُهَا. وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْعُبُودِيَّةُ: إِظْهَارُ التَّذَلُّلِ، وَلَا عِبَادَةَ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا غَايَةُ التَّذَلُّلِ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا إِلَّا مَنْ لَهُ غَايَةُ الْإِفْضَالِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُمْكِنُ أَنْ تُحْمَلَ الْعِبَادَةُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ غَايَةُ التَّذَلُّلِ وَالِافْتِقَارِ وَالِاسْتِكَانَةِ، وَمَا شُرِعَتِ الْعِبَادَةُ إِلَّا لِلْخُضُوعِ لِلْبَارِئِ، وَإِظْهَارِ الِافْتِقَارِ إِلَيْهِ، وَيَنْصُرُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا بَعْدَ الْآيَةِ الْمَتْلُوَّةِ {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ عَدَمِ الِافْتِقَارِ وَالتَّذَلُّلِ بِالِاسْتِكْبَارِ، وَوَضَعَ عِبَادَتِي مَوْضِعَ دُعَائِي، وَجَعَلَ جَزَاءَ ذَلِكَ الِاسْتِكْبَارِ الْهَوَانَ وَالصَّغَارَ. وَقَالَ مِيرَكُ: أَتَى بِضَمِيرِ الْفَصْلِ وَالْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ، لِيَدُلَّ عَلَى الْحَصْرِ فِي أَنَّ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ غَيْرَ الدُّعَاءِ مُبَالَغَةً، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الدُّعَاءَ مُعْظَمُ الْعِبَادَةِ كَمَا قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «الْحَجُّ عَرَفَةُ» " أَيْ: مُعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ، سَوَاءٌ اسْتُجِيبَ أَوْ لَمْ يُسْتَجَبْ؛ لِأَنَّهُ إِظْهَارُ الْعَبْدِ الْعَجْزَ وَالِاحْتِيَاجَ مِنْ نَفْسِهِ، وَالِاعْتِرَافُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِجَابَتِهِ، كَرِيمٌ لَا بُخْلَ لَهُ وَلَا فَقْرَ، وَلَا احْتِيَاجَ لَهُ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى يَدَّخِرَ لِنَفْسِهِ وَيَمْنَعَهُ عَنْ عِبَادِهِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ هِيَ الْعِبَادَةُ بَلْ مُخُّهَا، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ شَارِحٌ: الْعِبَادَةُ لَيْسَتْ غَيْرَ الدُّعَاءِ مَقْلُوبٌ، وَصَوَابُهُ أَنَّ الدُّعَاءَ لَيْسَ غَيْرَ الْعِبَادَةِ اهـ. وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الدَّالُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِطَرِيقِ الْحَصْرِ الْمَطْلُوبَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَصْلِ، وَإِتْيَانِ الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) : وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْحَاكِمُ. (قَالَ التِّرْمِذِيُّ) : وَاللَّفْظُ لَهُ (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) : وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ.