يَنْسَ، أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلٌ فِي النِّسْيَانِ بِوَجْهٍ مُطْلَقًا اهـ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بِإِطْلَاقٍ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ بَلْ نَسِيَ إِشَارَةً إِلَى عَدَمِ تَقْصِيرِهِ فِي الْمُحَافَظَةِ لَكِنَّ اللَّهَ أَنْسَاهُ لِمَصْلَحَةٍ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106] وَقَوْلُهُ نَسِيتُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَعَاهَدِ الْقُرْآنَ، وَقَالَ شَارِحٌ آخَرُ: يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِزَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ نَسِيَ، أَيْ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ نَهَاهُمْ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ الضَّيَاعُ عَلَى مُحْكَمِ الْقُرْآنِ، فَأَعْلَمَهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِمَا رَأَى فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ يَعْنِي نَسْخَ التِّلَاوَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - هُوَ الَّذِي أَنْسَاهَا لَهُ بِسَبَبٍ مِنْهُ تَارَةً بِأَنْ تَرَكَ تَعَهُّدَ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ تَرْكَ تَعَهُّدِهِ سَبَبٌ فِي نِسْيَانِهِ عَادَةً لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ أُخْرَى، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ شَارِحَيْنِ قَرَّرَا هَذَا بِغَيْرِ مَا ذَكَرْتُهُ، لَكِنْ يَرُدُّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا: يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا، وَإِنَّمَا يَقُولُ: أُنْسِيتُهَا أَوْ أُسْقِطْتُهَا لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ بِاللَّيْلِ فَقَالَ: " يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا» وَفِي رِوَايَةً صَحِيحَةً: كُنْتُ أُنْسِيتُهَا اهـ وَهُوَ رَدٌّ غَرِيبٌ وَوَجْهٌ عَجِيبٌ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمَّا الْحَرِيصُ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ الَّذِي يَدْأَبُ فِي تِلَاوَتِهِ لَكِنَّ النِّسْيَانَ يَغْلِبُهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْحُكْمِ، بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: مَعْنَى نَسِيَ عُوقِبَ بِالنِّسْيَانِ عَلَى ذَنْبٍ أَوْ سُوءِ تَعَهُّدٍ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - {أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 126] وَمِنَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ ( «عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ أَعْظَمَ ذَنْبًا مِنْ رَجُلٍ أُوتِيَ آيَةً فَنَسِيَهَا» ) ثُمَّ النِّسْيَانُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ سَوَاءٌ كَانَ حَافِظًا أَمْ لَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ) أَيِ اسْتَحْضِرُوهُ فِي الْقَلْبِ وَالْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ أَوْ لِعَطْفِ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، قَالَ الطِّيبِيُّ: التَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ أَيِ اطْلُبُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ذِكْرَ الْقُرْآنِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " بِئْسَ " مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، أَيْ لَا تُقَصِّرُوا فِي مُعَاهَدَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتَذْكِرُوهُ (فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا) ، أَيْ تَشَرُّدًا (مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ) ، أَيِ الْحُفَّاظِ، وَمِنْ مُتَعَلِّقٌ بِتَفَصِّيًا (مِنَ النَّعَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ، فِي الْقَامُوسِ: النَّعَمُ وَقَدْ يُكْسَرُ عَيْنُهُ الْإِبِلُ وَالشَّاةُ أَوْ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ جَمْعُهُ أَنْعَامٌ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: هِيَ الْمَالُ الرَّاعِيَةُ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْإِبِلِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَشَدَّ، أَيْ أَشَدُّ مِنْ تَفَصِّي النَّعَمِ الْمُعَقَّلَةِ، وَتَخْصِيصُ الرِّجَالِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ مِنْ شَأْنِهِمْ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ مُسْلِمٌ: بِعُقُلِهَا) بِضَمَّتَيْنِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015