كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: فَوَّضَ أَوَّلًا أَدَبًا وَأَجَابَ ثَانِيًا طَلَبًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدَبِ وَالِامْتِثَالِ كَمَا هُوَ دَأْبُ أَرْبَابِ الْكَمَالِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: سُؤَالُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنَ الصَّحَابِيِّ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ عَلَى الْإِسْمَاعِ وَقَدْ يَكُونُ لِلْكَشْفِ عَنْ مِقْدَارِ عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ، فَلَمَّا رَاعَى الْأَدَبَ أَوَّلًا وَرَأَى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِهِ عَلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ اسْتِخْرَاجُ مَا عِنْدِهِ مِنْ مَكْنُونِ الْعِلْمِ فَأَجَابَ، وَقِيلَ: انْكَشَفَ لَهُ الْعِلْمُ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - أَوْ مِنْ مَدَدِ رَسُولِهِ بِبَرَكَةِ تَفْوِيضِهِ وَحُسْنِ أَدَبِهِ فِي جَوَابِ مُسَائَلَتِهِ، قِيلَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمَ آيَةٍ لِاحْتِوَائِهَا وَاشْتِمَالِهَا عَلَى بَيَانِ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَذِكْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْأَذْكَارِ فِي تِلْكَ الْمَعَانِي أَبْلَغُ كَانَ فِي بَابِ التَّدَبُّرِ وَالتَّقَرُّبِ بِهِ إِلَى اللَّهِ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ (قَالَ) ، أَيْ أُبَيٌّ (فَضَرَبَ) ، أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي صَدْرِي) مَحَبَّةً وَتَعْدِيَتُهُ بِفِي نَظِيرُ قَوْلِهِ - تَعَالَى - وَاصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي أَيْ وَقَعَ الصَّلَاحُ فِيهِمْ حَتَّى يَكُونُوا مَحَلًّا لَهُ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبِهَا نَصْلِي

. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى امْتِلَاءِ صَدْرِهِ عِلْمًا وَحِكْمَةً (وَقَالَ: لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ) وَفِي نُسْخَةٍ: لِيَهْنِئْكَ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ النُّونِ عَلَى الْأَصْلِ فَحُذِفَ تَخْفِيفًا، أَيْ لِيَكُنِ الْعِلْمُ هَنِيئًا لَكَ (يَا أَبَا الْمُنْذِرِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: يُقَالُ هَنَّأَنِي الطَّعَامُ يَهْنَأْنِي وَيُهْنِئَنِي وَهَنَأْتُ، أَيْ تَهَنَّأْتُ بِهِ وَكُلُّ أَمْرٍ أَتَاكَ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ فَهُوَ هَنِيءٌ، وَهَذَا دُعَاءٌ لَهُ بِتَيْسِيرِ الْعِلْمِ وَرُسُوخِهِ فِيهِ وَيَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ بِكَوْنِهِ عَالِمًا وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَبِي الْمُنْذِرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015