جِبْرِيلَ كَانَ يَقْرَأُ أَوَّلًا بَعْضًا مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُعِيدُهُ بِعَيْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتِيَاطًا لِلْحِفْظِ، وَاعْتِمَادًا لِلضَّبْطِ، وَثَانِيهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا يَقْرَأُ عَشْرًا مَثَلًا وَالْآخَرُ كَذَلِكَ، وَهُوَ الْمُدَارَسَةُ الْمُتَعَارَفَةُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي النِّهَايَةِ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ، أَيْ يُدَارِسُهُ مِنَ الْمُعَارَضَةِ الْمُقَابَلَةِ وَمِنْهُ عَارَضْتُ الْكِتَابَ بِالْكِتَابِ، أَيْ قَابَلْتُهُ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَكَانَ) ، أَيْ غَالِبًا (يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا) ، أَيْ مِنْ آخِرِ رَمَضَانَ (فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهِمَا عَلَى التَّثْنِيَةِ (فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ) ، أَيْ تُوُفِّيَ فِيهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّضْعِيفِ فِي الْعَامِ الْآخِرِ مِنَ الْعَرْضِ وَالِاعْتِكَافِ إِعْلَامُهُ بِقُرْبِ وَفَاتِهِ، وَتَنْبِيهٌ لِأُمَّتِهِ أَنْ يَتَأَكَّدَ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ فِي أَوَاخِرِ حَيَاتِهِ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلِقَائِهِ تَعَالَى، وَالْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَعَ كُلُّ خَتْمٍ فِي عَشْرٍ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ جَعَلَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا حَدِيثَانِ، الْأَوَّلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ قَالَهُ الْجَزَرِيُّ.