الصُّوفِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا قِيلَ لِلْجُنَيْدِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ: أَلَا تَتَزَوَّجُ؟ ! فَقَالَ: إِنَّمَا تَصْلُحُ الْمَرْأَةُ لِمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جَمَالِ اللَّهِ فِيهَا (وَإِذَا أَمَرَهَا) بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ (أَطَاعَتْهُ) وَخَدَمَتْهُ (وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ: فِي نَفْسِهِ، أَيْ لَهُ حَقُّ زَوْجِهَا مِنْ بُضْعِهَا وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهَا، وَكَذَا بَيْتُ زَوْجِهَا وَمَالُهُ وَوَلَدُهُ، فَهَذِهِ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ، قَالَ الْقَاضِي: لَمَّا بَيَّنَ لَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي جَمْعِ الْمَالِ وَكَنْزِهِ مَا دَامُوا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ وَرَأَى اسْتِبْشَارَهُمْ بِهِ، رَغَّبَهُمْ عَنْهُ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ الْجَمِيلَةُ فَإِنَّ الذَّهَبَ لَا يَنْفَعُكَ إِلَّا بَعْدَ الذَّهَابِ عَنْكَ، وَهِيَ مَا دَامَتْ مَعَكَ تَكُونُ رَفِيقَكَ، تَنْظُرُ إِلَيْهَا فَتَسُرُّكَ، وَتَقْضِي عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَطَرَكَ، وَتُشَاوِرُهَا فِيمَا يَعِنُّ لَكَ فَتَحْفَظُ عَلَيْكَ سِرَّكَ، وَتَسْتَمِدُّ مِنْهَا فِي حَوَائِجِكَ، فَتُطِيعُ أَمْرَكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا تُحَامِي مَالَكَ وَتُرَاعِي عِيَالَكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا أَنَّهَا تَحْفَظُ بَذْرَكَ، وَتُرَبِّي زَرْعَكَ، فَيَحْصُلُ لَكَ بِسَبَبِهَا وَلَدٌ، يَكُونُ لَكَ وَزِيرًا فِي حَيَاتِكَ، وَخَلِيفَةً بَعْدَ وَفَاتِكَ، لَكَانَ لَهَا بِذَلِكَ فَضْلٌ كَثِيرٌ. اهـ، وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِمَا بُيِّنَ أَنَّ جَمْعَ الْمَالِ مُبَاحٌ لَهُمْ ذُكِرَ أَنَّ صَرْفَهُ إِلَى مَا يَنْفَعُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا خَيْرٌ وَأَبْقَى فَفِيهِ إِشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إِلَى كَرَاهِيَةِ جَمْعِ الْمَالِ، وَلِذَا قَالَ: الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَيَجْمَعُهَا مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا الْمُرَادُ بِالْكَنْزِ الْمَذْمُومِ مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ وَإِنْ لَمْ تَدْفِنْ، فَإِنْ أَدَّيْتَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ دُفِنَ، لِمَا فِي حَدِيثٍ سَنَدُهُ حَسَنٌ: «مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ» ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ: أَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى الْكَنْزِ إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: أَمَّا قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ إِنَّ الْكَنْزَ فِي الْآيَةِ مَا لَمْ يُنْفَقْ مِنْهُ فِي الْغَزْوِ، وَقَوْلُ أَبِي دَاوُدَ إِنَّهُ الدَّفْنُ فَهُوَ غَلَطٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ الْمُنْذِرِيُّ قَالَهُ مِيرَكُ.