سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ رَمَضَانَ أَمْ لَا (إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ قَالَ) أَيْ طَلْحَةُ (وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ) هَذَا قَوْلُ الرَّاوِي، فَإِنَّهُ نَسِيَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ: ذَكَرَ الزَّكَاةَ، وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْأَلْفَاظِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الرِّوَايَةِ، فَإِذَا الْتُبِسَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا يُشِيرُ فِي أَلْفَاظِهِ إِلَى مَا يُنْبِئُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ (فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ فَقَالَ: لَا) قِيلَ: يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ بِشُرُوطِهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْحُقُوقُ الْأَصْلِيَّةُ الْمُتَكَرِّرَةُ تَكْرَارَهَا، وَإِلَّا فَحُقُوقُ الْمَالِ كَثِيرَةٌ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَنَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَالْأُضْحِيَّةِ (إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ قَالَ) أَيْ طَلْحَةُ (فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ (يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا) أَيْ فِي الْإِبْلَاغِ أَوْ فِي نَفْسِ الْفَرِيضَةِ (وَلَا أَنْقُصُ عَنْهُ) أَيْ شَيْئًا، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفْلَحَ الرَّجُلُ) أَيْ دَخَلَ فِي الْفَلَاحِ، وَالْمَعْنَى فَازَ وَظَفِرَ وَأَدْرَكَ بُغْيَتَهُ، وَهِيَ ضَرْبَانِ: دُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الظَّفَرُ فَلَا يَطْلُبُ مَعَهُ الْحَيَاةَ وَالْأَسْبَابَ، وَأُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ النَّجَاةُ مِنَ الْعَذَابِ، وَالْفَوْزُ بِالثَّوَابِ. قَالُوا: وَلَا كَلِمَةَ أَجْمَعُ لِلْخَيْرَاتِ مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ فُسِّرَ بِأَنَّهُ بَقَاءٌ بِلَا فَنَاءٌ، وَغِنًى بِلَا فَقْرٍ، وَعِزٌّ بِلَا ذُلٍّ، وَعِلْمٌ بِلَا جَهْلٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: أَفْلَحَ وَاللَّهِ. وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ: بِلَا شَكٍّ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَفْلَحَ وَأَبِيهِ، وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّهُ وَرَدَ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ قَبْلَ النَّهْيِ، وَقِيلَ: فِيهِ حَذْفٌ مُضَافٌ أَيْ وَرَبِّ أَبِيهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ وَاللَّهِ، وَأَنَّ الْكَاتِبَ قَصَرَ اللَّامَيْنِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِ الشَّارِعِ كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجْرٍ فَضَعَّفَ الْأَقْوَالَ الْمَذْكُورَةَ جَمِيعَهَا، وَحَمَلَ عَلَى أَنَّ هَذَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ (إِنْ صَدَقَ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا، أَيْ لِصِدْقِهِ، وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قِيلَ: إِنَّمَا حَكَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مُطْلَقًا فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُنَا عَلَّقَ الْفَلَاحَ بِصِدْقِهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ بِحُضُورِ الْأَعْرَابِيِّ لِئَلَّا يَغْتَرَّ فَيُشْكِلَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا ذَهَبَ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ. . . إِلَخْ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يُطْلِعَهُ اللَّهُ عَلَى صِدْقِهِ، ثُمَّ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَكُونَ مُفْلِحًا؛ لِأَنَّ الْمُفْلِحَ هُوَ النَّاجِي مِنَ السَّخَطِ وَالْعَذَابِ، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُؤْمِنٍ مُفْلِحًا، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1 - 2] الْآيَاتِ. وَقَالَ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] الْآيَاتِ. ثُمَّ قَالَ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015