مظنّة للمحق وهو النقص والمحو والإبطال، وحكى عياض ضمّ أوّله وكسر الحاء، وقال القرطبي: المحدّثون يشدّدونها والأوّل أصوب (والهاء) (?) للمبالغة. قال الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلام: فيه سؤال، لأنّ قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} معناه لا يقبل منه صدقة ولا (يجيز) (?) سائر التصرّفات الواقعة به، فهو محق لا محالة، وأمّا ثمن السّلعة والرّبح هنا فإنّه حلال والتصرّفات فيه جائزة، غاية ما في الباب أنّه عصى بالحلف، وهذا لا يقدح في حلّ المال، فما معنى المحق هاهنا؟ هكذا ورد هذا السؤال ولم يذكر له جوابًا.
(أقول) (?) وجوابه ظاهر وذلك أنّ البركة سرّ من أسرار الله يضعها حيث شاء، ومن شرطها الأمانة وعدم الخيانة، والصدق في الإخبار والأيمان، وعدم الكذب، فإذا فقد شرطها أبطلها الله بإخبار الصادق (المصدق) (?) الأمين على وحي الله وأسراره، - صلى الله عليه وسلم -، كما قال في الحديث الآخر: "صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت البركة من بيعهما"، فمعنى محق البركة ذهابها، فلا يبارك له في ماله وإن كان حلالًا، ويسلّط الله عليه وجوهًا يتلف فيها إمّا سرقًا أو حرقًا أو غرقًا أو غصبًا أو نهبًا، أو عوارض ينفق فيها عن أمراض وسنين قحط وغير ذلك ممّا شاء الله. ونظير هذا قول العلماء إنّ بركة العلم عزوه لقائله، وإنّ من سرق في تصنيفه تصانيف الناس من غير عزو إليهم لم ينتفع به، لأنّ بركة العلم هي الانتفاع به، وشرط حصول ذلك أداء الأمانة والصدق، فإذا فقد هذا الشرط تخلّفت البركة، وعدم الانتفاع، سنة الله قديمًا وحديثًا ولن تجد لسنة الله تبديلًا، هذا إذا اقتصر على مجرّد السرقة من غير كذب، فإن انضمّ إلى ذلك الكذب، كقوله قلت وتتبعت ورأيت، وهو لا يتتبّع ولا يرى،