من مدن أقطار الأرض. وكان تصنيف علماء الحديث قبل أبي داود الجوامع والمسانيد ونحوها فتجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخبارًا وقصصًا ومواعظ وآدابًا، فأمّا السنن المحضة فلم يقصد أحد جمعها واستيفائها على حسب ما اتّفق لأبي داود. ولذلك حلّ (?) هذا الكتاب عند أئمّة الحديث وعلماء الأثر محلّ العجب، فضربت فيه أكباد الإبل ودامت إليه الرّحل. وقال ابن الأعرابي: لو أنّ رجلًا لم يكن عنده من العلم إلَّا المصحف ثمّ كتاب أبي داود لم يحتج معهما شيء من العلم. قال الخطّابي: وهذا كما قال لا شكّ فيه، فقد جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمّهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدّما سبقه إليه ولا متأخرًا لحقه فيه".
وقال النّووي في القطعة التي كتبها من شرح أبي داود: "ينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاعتناء بسنن أبي داود وبمعرفته التامّة، فإنّ معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه، مع سهولة متناوله وتلخيص أحاديثه، وبَراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه".
وقال أبو العلاء الواذاري: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال: من أراد أن يستمسك بالسّنن فليقرأ سنن أبي داود".
وحكى أبو عبد (?) الله محمد بن إسحاق بن منده الحافظ أنّ شرط أبي داود والنّسائي إخراج أحاديث أقوام لم يجتمع على تركهم إذا صحّ الحديث باتّصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال.
وقال الخطّابي: كتاب أبي داود جامع لنوعي الصّحيح والحسن، وأمّا السقيم فعلى طبقات شرّها الموضوع ثمّ المقلوب ثمّ المجهول، وكتاب أبي داود خَليّ منها بريء من جملة وجوهها. وحُكي لنا عنه أنّه قال: ما ذكرت في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه.