آمن بنبيه وآمن بمحمد،

ـــــــــــــــــــــــــــــ

أهل الكتاب، ويؤيد العموم أي الحمل على أهل التوراة والإنجيل، أعني اليهود والنصارى ما رواه أحمد في مسنده (ج5: ص259) عن أبي أمامة قال: إني لتحت راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، فقال قولاً حسنا جميلاً وقال فيما قال: ((من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين، وله ما لنا، وعليه ما علينا، ومن أسلم من المشركين فله أجره، وله ما لنا وعليه ما علينا)) ، وما رواه النسائي في آداب القضاة (ج2: ص265) عن ابن عباس في تأويل قوله عز وجل: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [5: 44] من حديث طويل وفيه فقال الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته} [57: 28] أجرين بإيمانهم بعيسى وبالتوراة والإنجيل، وبإيمانهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث، ويؤيده أيضاً أن الحديث مستفاد من قوله تعالى: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} [28: 53] ، وأنه نزل في عبد الله بن سلام وأشباهه، كما رواه الطبراني من حديث رفاعة القرظي، والطبري عن علي بن رفاعة القرظي وغيره أنها نزلت في رفاعة القرظي، وعبد الله بن سلام، وسلمان وغيرهم من أهل الكتاب الذين كانوا بالمدينة، وأما ما ورد في البخاري (ج1: ص490) في كتاب الأنبياء، وإذا آمن بعيسى ثم آمن بي بدل قوله "من أهل الكتاب" وهو يدل على أن المراد في حديث الباب أهل الإنجيل أي النصارى فقط، فهو محمول على اقتصار الراوي واختصاره، والأصل كما ذكره آخرون، فإن قيل: حمل الكتاب على العموم حتى يشمل اليهود صعب جداً؛ لأنهم كفروا بعيسى – عليه السلام – فحبط إيمانهم بموسى، ثم إنهم لما آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لم يبق لهم إلا عمل واحد، وهو الإيمان بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فلا يستحقون عليه إلا أجراً واحداً، قلنا: من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل ولم يكن بحضرة عيسى عليه السلام فلم تبلغه دعوته، يصدق عليه أنه يهودي مؤمن، إذ هو مؤمن بنبيه موسى عليه السلام، ولم يكذب نبينا آخر بعده، فمن أدرك بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - ممن كان بهذه المثابة وآمن به لا يشكل أنه يدخل في حديث أبي موسى، ومن هؤلاء عرب نحو اليمن متهودون ولم تبلغهم دعوة عيسى لكونه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة إجماعاً دون غيرهم، وكذا يدخل في قوله "أهل الكتاب" يهود المدينة الذين كانوا بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما دخلوا في قوله تعالى: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} لأنه لم تبلغهم دعوة عيسى عليه السلام؛ لكونها لم تنتشر في أكثر العباد فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى عليه السلام إلى أن جاء الإسلام فآمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: الظاهر أنه بلغ عبد الله بن سلام وأصحابه ممن أسلموا من يهود المدينة خبر عيسى عليه السلام كسائر الأخبار تحمل من بلد إلى بلد من غير أن يبلغ إليه الدعوة إلى شريعته بخصوصها، فآمنوا به وصدقوه، فحاشا مثل ابن سلام وأضرابه مع سعة علومهم، وكمال عقولهم، وسلامة فطرتهم، أن يبلغ إليهم خبر عيسى ثم يكذبوه، فلا نسيء الظن بهم، وإذا كان الأمر كذلك فقد كفاهم تصديقهم به إجمالاً لاستحقاق أجر إيمانهم عن عهدة التزام شريعته؛ لأنه لم تبلغهم الدعوة إلى شريعته بخصوصها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015