رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثًا وستين بدنة بيده، ثم أعطى عليًا
فنحر ما غبر، وأشركه في هديه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معنى، ومع هذا الاعتراض ولا تخطئة على إحدى النسختين، فإن تعلقه بحصاة أو حصيات لا ينافي وجود مثل لفظًا أو تقديرًا، غايته أنه إذا كان موجودًا فهو واضح معنى وإلا فيكون من باب التشبيه البليغ، وهو حذف أداة التشبيه أي كحصى الخذف بل لا يظهر للتعلق غير هذا المعنى. فالروايتان صحيحتان، وما سيأتي في الحديث عن جابر رواه الترمذي بلفظ ((وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف)) وروى مسلم عنه بلفظ ((رمى الجمرة بمثل حصى الخذف)) يرجح وجود المثل ويؤيد تقديره، والله تعالى أعلم بالصواب (رمى من بطن الوادي) قال القاري: بدل من قوله ((فرماها)) أو استيناف مبين وهو الأظهر. قال النووي: فيه أن السنة أن يقف للرمي في بطن الوادي بحيث يكون منى وعرفات والمزدلفة عن يمينه ومكة عن يساره، وهذا هو الصحيح الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة، وقيل يقف مستقبل الكعبة وكيفما رمى أجزأه (ثم انصرف) أي رجع عن جمرة العقبة (إلى المَنْحر) بفتح الميم أي موضع النحر، قال الزرقاني: موضع معروف بمنى وكلها منحر كما في الحديث. قال ابن التين: منحر النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد، فللنحر فيه فضيلة على غيره لقوله ((هذا المنحر وكل منى منحر)) . وقال عياض: فيه دليل على أن المنحر موضع معين من منى. وحيث يذبح منها أو من الحرم أجزأه (فنحر ثلاثًا وستين بدنة بيده) قال القاري: الظاهر أن لفظ المشكاة جمع بين الروايتين، فإن الرواية الصحيحة ((ثلاثًا وستين بيده)) بدون لفظة بدنة، قال النووي: هكذا هو في النسخ ثلاثًا وستين بيده، وكذا نقله القاضي عن جميع الرواة سوى ابن ماهان، فإنه رواه بدنة. قال: وكلاهما صواب، الأول أصوب. قلت: وكلاهما حري فنحر ثلاثًا وستين بدنة بيده. وقال المحب الطبري: قوله: ((ثلاثًا وستين بيده)) فيه دليل على استحباب ذبح المرء نسيكته بيده، وعند ابن ماهان بدنة مكان بيده، وكل صواب، وبيده أصوب، لقوله ((ثم أعطى عليًا فنحر ما غبر)) ويجوز أن يقال بدنة أصوب لأن قوله ((بيده)) لا يفيد أن المنحور بدن أو غيرها بخلاف قوله بدنة، وإسناد الفعل إليه يفيد أنه فعل بنفسه من حيث الظاهر فلا حاجة إلى قوله بيده، وذكر بعض أهل المعاني أن نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا وستين بيده إشارة إلى منتهى عمره، ويكون قد أهدى من كل عام بدنة – انتهى. وقال الشاه ولي الدين الدهلوي: إنما نحر بيده هذا العدد ليشكر ما أولاه الله في كل سنة من عمره ببدنة (ثم أعطى) أي بقية البدن (عليًا فنحر) أي عليّ (ما غَبَر) بفتح المعجمة والموحدة وبالراء أي ما بقي من المائة (وأشركه) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًا (في هديه) أي في نفس الهدي، ويحتمل أنه أشركه في نحره، قال النووي: ظاهره أنه شاركه في نفس الهدي، قال القاضي عياض: وعندي أنه لم يكن تشريكًا حقيقة بل أعطاه قدرًا يذبحه – انتهى. وفيه جواز الاستنابة في ذبح الهدي، وذلك جائز بالإجماع إذا