((وإذا قرأ فأنصتوا)) .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

ظاهر عبارة المصنف يقتضي أن هذه الزيادة أخرجها مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة، وليس كذلك، بل يفهم من كلام مسلم أنه لم يخرج حديث أبي هريرة هذا أصلاً، فإن في كتابه بعد إيراد حديث أبي موسى وذكر هذه الزيادة من رواية جرير عن سليمان التيمي عن قتادة: "قال أبوبكر بن أخت أبي النضر: فحديث أبي هريرة يعني: وإذا قرأ فأنصتوا؟ فقال مسلم: هو عندي صحيح، فقال: لِم لم تضعه ههنا؟ فقال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ههنا ما اجتمعوا عليه" انتهى. وحديث أبي هريرة هذا قد ذكره المصنف في الفصل الثاني، ويأتي الكلام عليه هناك. (وإذا قرأ فأنصتوا) أي اسكتوا للاستماع، وهذا لا يكون إلا حالة الجهر، قاله السندي. وقد احتج بذلك القائلون عن المؤتم لا يقرأ خلف الإمام في الصلاة الجهرية، وهم إسحاق بن راهويه وأحمد ومالك والحنفية، لكن الحنفية قالوا: لا يقرأ خلف الإمام لا في سرية ولا جهرية. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} [7: 204] قال ابن الهمام في فتح القدير: حاصل الاستدلال بالآية أن المطلوب أمران: الاستماع والسكوت، فيعمل بكل منهما، والأول يخص الجهرية والثاني لا، فيجري على إطلاقه، فيجب السكوت عند القراءة مطلقاً- انتهى. وبقوله: إذا قرأ فأنصتوا، في حديث أبي موسى، وفي حديث أبي هريرة الآتي في الفصل الثاني، قال العيني: هذا حجة صريحة في أن المقتدي لا يجب عليه أن يقرأ خلف الإمام أصلاً على الشافعي في جميع الصلوات، وعلى مالك في الظهر والعصر- انتهى. قلت: الاستدلال بالآية وبقوله: "إذا قرأ فأنصتوا" على منع القراءة خلف الإمام في الصلوات الجهرية أو مطلقاً غير صحيح. أما الآية فلأن صحة الاستدلال بها موقوفة على أن يكون الخطاب فيها مع المسلمين وهو ممنوع، بل الظاهر أن الخطاب فيها مع الكفار، قال الفخر الرازي في تفسيره: لا شك أن قوله: {فاستمعوا له وأنصتوا} أمر، وظاهر الأمر للوجوب، فمقتضاه أن يكون الاستماع والسكوت واجباً، وللناس فيه أقوال. (إلى أن قال) : وفي الآية قول خامس: وهو أنه خطاب مع الكفار في ابتداء التبليغ وليس خطاباً مع المسلمين، وهذا قول حسن مناسب- انتهى. ثم ذكر الرازي تقرير هذا القول، من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى تفسيره. وما قيل: أنه أجمع الناس على أن هذه الآية نزلت في الصلاة، فهو ادعاء محض، لم يقم عليه دليل صحيح. ويرده: أن في سبب نزولها أقوالاً وروايات مختلفة عن الصحابة ومن بعدهم: منها أنها نزلت في السكوت عند الخطبة. ويرده أيضاً: أن الصحابة قد اختلفوا في القراءة خلف الإمام، وقد قال بها أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم كما صرح به الترمذي. ويرده أيضاً: قول ابن المبارك: أنا أقرأ خلف الإمام، والناس يقرأون إلا قوم من الكوفيين. ويرده أيضاً أن أحمد اختار القراءة خلف الإمام، وأن لا يترك الرجل فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام، كما ذكره الترمذي. وأما ما قيل: أن الخطاب في هذه الآية وإن كان مع الكفار لكن قد تقرر في مقره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015