استولى أسد الدين على بلاد الصعيد وتقوى بخراجها، وأقامت الفرنج بالقاهرة حتى استر أسوا، ثم قصدوا الاسكندرية وقد أخذها صلاح الدين، فحاصروه أربعة أشهر، ثم كرأسد الدين منجداً له، فترحلت الملاعين بعد أن قد استقر لهم بالقاهرة شحنة، وقطيعة مائة ألف دينار في الشام. وصالح شاور أسد الدين على خمسين ألف دينار، وأخذها ونزل الشام.
وفيها قدم قطب الدين صاحب الموصل على أخيه نور الدين، فغزوا الفرنج، فأخذوا حصناً بعد حصن. وفيها احتراق البلادين حرقاً عظيماً، حتى صار تاريخاً، وأقامت النار أياماً. وفيها توفي خطيب دمشق أبو البركات الخضر بن شبل الفقيه الشافعي، درس بالغزالية وبالمجاهدية، وبنى له نور الدين المدرسة المعروفة بالعمادية. وفيها توفي ابن حمدون صاحب التذكرة أبو المعالي محمد بن أبي سعد ألفاتب الملقب كافي الكفاءة البغدادي. كان فاضلاً ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة، من بيت مشهور بإلىئاسة والفضل، صنف كتاب التذكرة، وهو من أحسن المجاميع، يشتمل على التاريخ والأدب والنوادر والأشعار، لم يجمع أحد من المتأخرين مثله، ذكره العماد ألفاتب في كتاب الخريدة، وأنشد لنفسه لغزاً في مروحة الجيش:
ومرسلة معقودة دون قصدها ... منفذة تجري لجيش طليقها
يمر خفيف الريح وهي مقيمة ... وتسري وقد سدت عليها طريقها
لها من سليمان النبي وراثة ... وقد عزمت نحو النبيط عروقها
إذا صدق النوء الشمالي أمحلت ... وتمطر والجوزاء ذاك حريقها
وتحسبها إحدى الصنائع أنها ... لذلك كانت كل روح صديقها
قلت: وفي المروحة أيضاً أنشدنا بعض شيوخنا، وهو الشيخ الصالح أبو بكر ابن ألفائغ لنفسه:
وفي عدن حر كأن لهيبه ... من النار في أرجأنها اليوم لافح
أدافع عني بالمراوح جيشه ... فيا ضعف من يحمي قفاه المراوح