وفيها توفي شيخ الطب جالينوس عصره صاحب التصانيف ووزير المقتفي أبو المظفر الملقب عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرة. دخل بغداد شاباً، فطلب العلم وتفقه، وسمع الحديث وقرأ القراءات، وشارك في الفنون، وصار من فضلاء زمانه. ثم دخل في الكتاب، وولي مصارف الخزانة، ثم ترقى وولي ديوان ألفاص، ثم استوزره المقتفي، فبقي وزيراً إلى أن مات، وكان شامة بين الوزراء لعدله ودينه وتواضعه ومعروفه وفضائله. روى عن جماعة، ولما ولاه المقتفي امتنع من لبس خلعة الحرير، وحلف أنه لا يلبسها. وكان مجلسه معموراً بالعلماء والفقهاء والبحث وسماع الحديث. وشرح: الجمع بين الصحيحين، وألف كتاب العبادات في مذهب الإمام أحمد. ومات شهيداً مسموماً، وسمع منه خلق كثير منهم الحافظ أبو الفرج بن الجوزي واختصر كتاب إصلاح المنطق، وله أرجوزة في المقصور والممدود، وأرجوزة في علم الخط، وغير ذلك. ومدحه الشعراء منهم: أبو الفتح محمد بن عبد الله سبط ابن التعاويذي، قال:

سقاها الحياء أربع وطلول ... حكت دنفي من بعدهم ونحولي

ضمنت لها أجفان عين قريحة ... من الدمع مدرار الشوؤن همول

لئن حال رسم ألفارعما عهدته ... فعهد الهوى في القلب غير محيل

خليلي قد هاج الغرام وشاقني ... سنا بارق بالأجر عين كليل

ووكل طرفي بالسهاد بنظرتي ... قضاء مليء بالديون ملول

إذا قلت قد أنحلت جسمي صبابة ... يقول: وهل حب بغير نحول

وإن قلت دمعي بالأسى فيك شاهدي ... يقول شهود الدمع غير عدول

فلا تعذلاني إن بكيت صبابة ... على ناقض عهد الوفاء ملول

فابرح ما تمنى به الصب في الهوى ... ملال حبيب أو ملام عذول

ودون الكئيب الفرد بيض عقائل ... لعين بألفاب لنا وعقول

غداة التقت ألفاظها وقلوبنا ... فلم يجل إلا عن دم وقتيل

ألا حبذا والي الأراك وقد وشت ... برياك ريحا شمأل وقبول

وفي أبرديه كلما اعتلت الصباشفاء فؤاد بالغرامعليل

دعوت سلواً فيك غير مساعد ... وحاولت صبراً عنك غير جميل

تعرفت أسباب الهوى وحملته ... على كاهل للنائبات حمول

فلم أحظ من حب الغواني بطائل ... سوى رعي ليل بالغرام طويل

إلى كم تمنيني اللمالي بما جد ... رزين وقار الحلم غير عجول

أهز اختيالاً في هواه معاطفي ... وأسحب تيهاً في ثراه ذيولي

لقد طال عهدي بالنوال وإنني ... لصب إلى تقبيل كف مثيل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015