لم يكن جهة فليس للوجود صانع - تعالى الله عن قوله هذا - فلما كان بعد ساعة سمعت إنساناً يصرخ، وهو يعاقب ويضرب، فسألت بعض من حضر هنالك عن ذلك فقال: هو ألفائل القول المذكور في الجهة. ثم أبصرت جنداً كأنهم عسكر سلمان قد أقبلوا على خيل وحدها، ومعها هجا، وهم يلزمون الناس ويمنعونهم في اعتقادهم، ولهم هيبة عظيمة في القلوب، فخشيت أن يمسكوني، فمروا بجنبي مسرعين وقالوا: اثبت على اعتقادك، فأنت على الحق. فذهب عني ما كنت أجده من الخوف، ثم نظرت كأن بقربي بئرين وخضرة كالمزارع أو البساتين، وإذا إنسان يقول وهو يشير إلى إحدى البئرين: هذي بئر فلان، حسبت أنها أوسع وأنها أغزر ماء من الآخرى، وأشار إلي أنه أخطاء في اعتقاده. ثم انتبهت من منامي، وأفكرت فيه، ففهمت جميع إشاراته من فضيلة العزلة والتخصيص بألفائدة بعد قراءة سورة ألفائدة ومعاقبة المعتقد للجهة، وعسكر السلطان الممتحنين في العقائد والأديان، والإشارة بالثبات على الصحيح من العقيدات إلا البئرين، ونسبة أحدهما إلى الشخص المذكور، ثم بعد ساعة ذكرت أنه مخالف في اعتقاده للجمهور، وهو ابن تيمية ومذهبه في ذلك مشهور. ومن ذلك ما أخبرني السيد الكبير الشيخ الولي الشهير الشريف جلال الدين شيخ بلاد ملمان - أمتع الله بحياته، وأعاد علينا من بركاته - أنه أمر في المنام أن يقرأ على عقيدتي ويعتقدها، وغير ذلك مما يكثر ذكره مما يتعلق بالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وبالأولياء والملائكة الكرام مما رأه لي الأولياء أهل الكرامات والهناء، وما رأيته أنا، والحمد لله الجميل الثناء على ما منح من النعم، وأزال من العناء، وجزى الله نبينا وسيدنا محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل الجزاء، وجمع بيننا وبينه وبين سائر الأحباب والمحبين في دار الكرامة والنعيم بمحض فضل الله الكريم. آمين اللهم آمين وصلاته وسلامه ورحمته وبركاته على عباده الذين اصطفى وخص من بينهم محمد المصطفى. وقد لوحت إلى شيء مما ذكرت ببعض الإشارات في ضمن هذه الأبيات، من بعض القصيدات وهي القصيدة الموسومة بنزهة الألفاب وطرفة الآداب، واستعارات المعاني الغراب، الممزوجة بحلاوة الشهد والحلاب في بيان حكم الإعراب. حيث أقول منها:
ففي العلم مصباح وفي الجهل ظلمة ... تكون خلاف الاهتدا وضلائل
ولكن نور العلم بالله فائق ... على كل نور للعلوم وفاضل
ويتلوه علم الفقه، إذ عم نفعه ... به الخلق، والخلاق كل يعامل