قلت: وأما ما ذكرت من تأخير الكرم على العقيدة، فذكر ابن سمرة أنه لقي الفقيه الإمام الواعظ الشريف محمد بن أحمد العثماني، وأنه ناظره في العقيدة - والشريف أشعري - فنظر الإمام يحيى مذهب الحنابلة، وذكر أنه استدل بالآية، وأنه ظهر بالحجة إلى أن نزف الشريف العرق من وجهه، كأنه يعني: خجلاً. وأما اجتماعه بالشريف المذكور، فظاهره الصحة، خلاف ما ذكر بعض الناس أنه اجتمع في تلك الحجة بأبي حامد الغزالي، وأنه بحث معه في المسائل الفقهية - وعليه فيو كما هو زي حجاج اليمن - وأن وأبا حامد أعجبه بحثه، فذلك غير صحيح، فإن الإمام أبا حامد توفي قبل ذلك في سنة خمس وخمسمائة. وأما ما ذكر من كون عقيدته حنبلية فصحيح بالنسبة إلى الحنابلة المتأخرين - حاشى الإمام أحمد - والمتقدمين منهم، وقد أوضحت ذلك، وأشبعت الكلام فيه في كتابي: المرهم، وإليه أشرت بقولي:
وفي حشويات كسوفان أظلما ... هما جهة والحرف حاش ابن حنبل
أعني أن ذلك مذهب الحشوية بعد أن أسفيت البدور لأئمة كل مذهب، وذكرت أن بدور المذاهب الثلاثة أنارت، وأنه حصل في بدور مذهب الحشوية كسوفان مظلمان، وهما ما ذكرت من القول بالجهة والحرف والصوت في كلام الله تعالى. وأما ما ذكرت - من كون الإمام أحمد والمتقدمين من أصحابه - براء مما ادعاه المتأخرون منهم، فممن نص على ذلك بعض الحنابلة: وهو الإمام أبو الفيج بن الجوزي، حتى ذكر أنهم صاروا شبه على المذهب باعتقادهم الذي يتوهم غيرهم أنه مذهب أحمد. وليس العجب من حنابلة الفيوع وإنما العجب من شافعية الفيوع كصاحب البيان المذكور ومن تابعه من أهل الجبال، والكلام معهم في شيئين: أحدهما الاحتجاج، والثاني الأئمة المحتجون. أما الاحتجاج فاستمداده من إلىاهين العقلية القواطع ونصوص الكتاب والسنة المنيرات السواطع، وذلك لعمري يحتاج في ذكره إلى مصنف مستقل مشتمل على مجلمات لايسع هذا المكان شيء منها. وأما الأئمة المحتجون فقد ذكرت منهم مائة إمام في كتابي: الموسوم بألفاش المعلم شاوش وكتاب المرهم المعلم بشرف المفاخر العلية في مناقب الأئمة الأشعرية، وما اجتلوا به من الفضائل والمحاسن الحميدة والطريقة السديدة والأوصاف الجميلة، ومن متأخريهم جمال الإسلام الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وتصنيفه في ذلك معروف - أعني تصنيفه في أصول الدين، وكذا فتياه التي رواها الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر، وأنه قال فيها: