وطلب الاجتماع به موهماً عدم اطلاعه على قتله، وطلبوه في جميع مظانه في القصر، فلم يقفوا له على خبر، فتحققوا عدمه. فأخرج عباس أخوي الظافي وقال: أنتما قتلتما إمامنا، وما نعرفه إلا منكما، فأصرا على الإنكار صادقين، فقتلهما في الوقت لنفي التهمة عن نفسه، ثم استدعى بولده ألفائز - وعمره خمس سنين كما تقدم، وقيل: سنتان - فحمله على كتفه ووقف في صحن ألفار، فأمر أن تدخل الأمراء، فدخلوا فقال لهم: هذا ولد مولانا، وقد قتل عماه أباه، وقد قتلهما كما ترون، والواجب إخلاص الساعة لهذا الطفل، فقالوا بأجمعهم: سمعنا وأطعنا. فصاحوا صيحة واحدة، فاضطرب منها الطفل، فبال على كتف عباس، وسماه: ألفائز، وسيره إلى أمه، واختل من تلك الصيحة، فصار يصرع في كل وقت، ويختلج، وخرج عباس إلى داره، ودبر الأمور، وانفيد بالتصرف - وكان وزيراً للظافي - وأما أهل القصر فإنهم اطلعوا على باطن الأمر، وأخذوا في الحيلة في قتل عباس وابنه، وكاتبوا طلائع ابن رزيك - بضم إلىاء وتشديد الزاي المكسورة وسكون المثناة من تحت بعدها كاف - الملقب بالملك الصالح، وكان إذ ذاك والي سبتة بني حصيب في الصعيد، وسألوه الانتصار لهم، وقطعوا شعورهم، وسيروها في طي الكتاب، وسودوا الكتاب، فلما وقف الصالح عليه اطلع من حوله من كبار الأجناد، وتحدث معهم في ذلك فأجابوه إلى الخروج معه، واستمال جمعاً من العرب، وساروا قاصدين القاهرة - وقد لبسوا السواد - فلما قاربوها خرج إليهم جميع من فيها من الأمراء والأجناد والسودان، وتركوا عباساً وحده، وخرج عباس في ساعته من القاهرة - ومعه ولده قاتل الظافي، وشيء من مآله وجماعة يسيرة من أتباعه - وقصدوا طريق الشام. وأما صالح فإنه دخل القاهرة بغير قتال، وما قدم شيئاً على النزول بدار عباس المعروفة بدار الشامون بن البطائحي، وقد ضاع مدرسة للحنفية، وتعرف بالسيوفية، واستحضر ألفادم الصغير الذي كان مع الظافي ومن معه من المقتولين، وحملوا وقطعت لهم الشعور، وانتشر البكاء والنياحة في البلد، ومشى الصالح والخلق قدام الجنازة إلى موضع الدفن، وتكفل الصالح بالصغير، ودبر أحوآله. وأما عباس ومن معه فإن أخت الظافي كاتبت فينج عسقلان بسببه، وشرطت لهم مالاً جزيلاً إذا أمسكوه، فخرجوا عليه وصادفوه، فتواقعوا واقتتلوا، وقتلوا عباساً وأخذوا مآله وولده، وانهزم بعض أصحابه إلى الشام، وسيرت الفرنج نصر بن عباس ألفاتل المذكور إلى القاهرة محتاطاً به في قفص حديد، فلما وصل تسلم رسولهم ما شرطوا لهم من ألفال، وأخذوا نصراً المذكور، ومثلوا به، ثم صلبوه على باب زويلة، ثم أحرقوه. هذه خلاصة