الناس منك. وحمل عليه يريد أن يضربه بالعصا، فأخذنا ندفعه عنه، ونسآله بالله أن يتركه لنا، فقد استجار بنا، فتركه، وركع ركعتين في المسجد، وودعنا، وخرج يمشي على الماء في طريقه التي أتى فيها. ورجع ابن مهدي إلى حالته الأولى يطالع من ألفاب تارة ومن ألفاقة تارة أخرى، فلما كان بعد ساعة أخرى، أقبل ورمى نفسه في المحراب وقال: أنا جاركما من هذا الذي وصل إلينا، فقمنا وطالعنا، وإذا برجل بدوي طويل أقبل من الخبت، وهو يمشي وبيده عصا، فلما وصل إلى المسجد سلم علينا، فلما رأى ابن مهدي في المحراب صاح عليه صيحة منكرة مثل الصيحة الأولى وقال: يا شيطان يا فتان، ما تعمل في هذا الموضع المبارك؟!! اليوم أريح الناس منك. وحمل عليه بعصا ليضربه، فلم نزل ندفعه عنه، ونسآله بالله أن يتركه، فلم يتركه إلا بشدة عظيمة. ثم ركع ركعتين في المسجد، وودعنا، ورجع في طريقه الذي جاء منها، فقال لنا ابن مهدي: أريد أن تصحباني إلى الموضع الذي وجدتماني فيه، فقال له الصياد: ما بقينا نصحبك، ولا نمشي معك. فلم يزل بنا حتى أنعمنا له أن نصحبه إلى قرية الأهواب - بالماء الموحدة - فلما خرجنا معه إليها تركناه

ورجعنا إلى زبيد في ذلك اليوم، فأقمنا بها مدة يسيرة، فلما كانت سنة أربع وخمسين وخمس مائة كثرت العساكر معه، وظهر منه ما ظهر من التكفير بالذنب واستباحة دماء المسلمين. انتهى. وفي سنة تسع وأربعين وخمس مائة المذكورة جاءت الأخبار أن السلطان محمود شاه قاصد بغداد، فاستعرض المقتفي جيشه، فزادوا على اثني عشر ألف فارس، فضعف عزم محمد شاه، فخامر عليه جماعة أمراء، ولجؤوا إلى الخليفة. وجاءت الأخبار بما لحق السلطان سنجر من الذل له اسم السلطنة، ولا يلتفت إليه وأنه يبكي على نفسه. وفيها في صفر أخذ نور الدين دمشق من مجير الدين أحمد بن بوري بن طغتكين على أن يعوضه بحمص، ولم ثم ذلك له، فغضب وسار إلى بغداد، وبنى بها داراً فاخرة، وبقي بها مدة، وبعث المقتفي عهداً بالسلطنة لنور الدين، وأمره بالمسير إلى مصر، فاشتغل عن ذلك بحرب الفرنج. وفيها توفي الظافي بالله أبو منصور اسماعيل ابن الحافظ لدين الله العبيدي. كان منهمكاً في الملاهي والقصف، وكان يأنس إلى نصر بن عباس ولد وزيره، فدس عليه من قتله، وأخفى قتله، ثم ذهب إلى أبيه عباس فأعلمه بذلك، وكان أبوه قد أمره بقتله، لأن نصراً كان في غاية الجمال وكان الناس يتهمونه به فقال له أبوه: قد أتلفت عرضك بصحبة الظافي وتحدث الناس فيكما، فاقتله حتى تسلم من هذه التهمة، فقتله. فلما كان الصبح من تلك الليلة حضر عباس إلى باب القصر، وطلب الحضور عند الظافي في شغل منهم، فطلبه الخدم في المواضع التي عادته أن يبيت فيها، فلم يوجد، فقيل لعباس: ما نعلم أين هو، فنزل عن مركوبه، ودخل القصر بمن معه ممن يثق بهم، وقال للخدم: أخرجوا إلي أخوي مولانا، فأخرجوا له جبرائيل ويوسف ابني الحافظ، فسآلهما عنه فقالا: سل ولدك عنه فإنه أعلم به منا، فأمر بضرب رقابهما وقال: هذان قتلاه، هذه خلاصة هذه القضية. والجامع الظافيي الذي بالقاهرة داخل باب زويلة منسوب إليه، وهو الذي عمره ووقف عليه شيئاً كثيراً - على ما يقال والله أعلم -. وفيها توفي أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفياوي النيسابوري، كان رأساً في معرفة الشروط، حدث بمسند أبي عوانة، ومات من الجوع بنيسابور في فتنة الغز. وفيها توفي أبو العشائر محمد بن خليل القيسي الدمشقي، صاحب الإمام نصر المقدسي. وفيها توفي الحافظ أبو المعز - المبارك ابن أحمد الأنصاري. وفيها توفي مؤيد الدولة - وزير صاحب دمشق. ورجعنا إلى زبيد في ذلك اليوم، فأقمنا بها مدة يسيرة، فلما كانت سنة أربع وخمسين وخمس مائة كثرت العساكر معه، وظهر منه ما ظهر من التكفير بالذنب واستباحة دماء المسلمين. انتهى. وفي سنة تسع وأربعين وخمس مائة المذكورة جاءت الأخبار أن السلطان محمود شاه قاصد بغداد، فاستعرض المقتفي جيشه، فزادوا على اثني عشر ألف فارس، فضعف عزم محمد شاه، فخامر عليه جماعة أمراء، ولجؤوا إلى الخليفة. وجاءت الأخبار بما لحق السلطان سنجر من الذل له اسم السلطنة، ولا يلتفت إليه وأنه يبكي على نفسه. وفيها في صفر أخذ نور الدين دمشق من مجير الدين أحمد بن بوري بن طغتكين على أن يعوضه بحمص، ولم ثم ذلك له، فغضب وسار إلى بغداد، وبنى بها داراً فاخرة، وبقي بها مدة، وبعث المقتفي عهداً بالسلطنة لنور الدين، وأمره بالمسير إلى مصر، فاشتغل عن ذلك بحرب الفرنج. وفيها توفي الظافي بالله أبو منصور اسماعيل ابن الحافظ لدين الله العبيدي. كان منهمكاً في الملاهي والقصف، وكان يأنس إلى نصر بن عباس ولد وزيره، فدس عليه من قتله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015