فأغاثهم، وركب قسيس الفرنج، وفي عنقه صليب وفي يديه صليب، وقال: أنا قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق، فاجتمعوا حوله، وحمل على البلد، فحمل عليه المسلمون فقتلوه - لعنة الله تعالى - وقتلوا حماره، وأحرقوا الصلمان، ووصلت النجدة، فانهزمت الفرنج، وأصيب منهم خلق. وفيها توفي أبو الحسن علي بن أبي الوفاء المعروف بابن مسهر الموصلي. كان شاعراً بارعاً رئيساً مقدماً، يمدح الخلفاء والملوك والأمراء. وله ديوان شعر في مجلدين، ومن شعره في صفة الخيل.
سود حوافيها بيض حجافلها ... صبح تولد بين الصبح والغسق
من طول ما وطئت ظهر الدجى حنتاوطول ما كرعت من منهل الفلق
ومنها في صفة الفهد:
والشمس مذ لقبوها بالغزالة ... أعطته إلىشا حسداً من لونها اليقق
ويعطيه حباً كي يسالمها ... على المنايا نعاج إلىمل بالحدق
هذا ولم يبرزا مع سلم ... جانبه يوماً لناظره إلا على فيق
وهذه الأبيات مع جودتها مأخوذة من أبيات الأمير المعروف بابن السراج الصوري. ولابن مسهر أيضاً في بعض الرؤساء:
ولما اشتكيت اشتكى كل ما ... على الأرض واعتل شرق وغرب
لأنك قلب لجسم الزمان ... وما صح جسم إذا اعتل قلب
ومن غريب الاتفاق ما حكى أبو الفتح بن أبي الغنائم أنه رأى في منامه منشداً ينشد:
وأعجب من صبر القلوص التي سرت ... بهودجك المنموم أنى استقلت
وأطبق أحناء الضلوع على جوى ... جميع وصبر مستحيل مشتت
قال أبو الفتح: فلما انتبهت مكثت مدة أسائل عن قائل هذين البيتين، فلم أجد عنه مخبراً، ثم اتفق بعد سنين نزول ابن مسهر المذكور في ضيافتي، فتجارينا في بعض اللمالي ذكر المنامات، فذكرت له المنام الذي رأيته والبيتين فقال: أقسم بالله أنهما من شعري، من جملة قصيدة منها:
إذا ما لمان الدمع نم على الهوى ... فليس بشر ما الضلوع أحنت