وفيها توفي وقيل في التي بعدها توفي أبو منصور موهوب بن أبي طاهر الجواليقي البغدادي الأديب اللغوي. كان إماماً في فنون الأدب، وهو متدين ثقة غزير الفضل، وافي العقل، مليح الخط، كثير الضبط صنف التصانيف المفيدة، وانتشرت عنه مثل شرح أدب ألفاتب وثمة درة الغواص في أوهام الخواص للحريري صاحب المقامات، وسماه: التكملة فيما يلحن فيه الشامة، إلى غير ذلك، وله نوادر كثيرة. وكان إماماً للمقتفي بالله. وما زاده في أول دخوله عليه على قوله: السلام على أمير المؤمنين: ورحمة الله تعالى. فقال له اين التلميذ النصراني - وكان قائماً بين يدي المقتفي، وله ادلال الخدمة والصحبة: ما هكذا يسلم على أمير المؤمنين يا شيخ، فلم يلتفت إليه، وقال للمقتفي: يا أمير المؤمنين، سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية، ثم قال: يا أمير المؤمنين؛ لو حلف حالف أن نصرانياً أو يهودياً لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه، لما لزمته الكفارة، لأن الله تعالى يختم على قلوبهم، ولن يفك ختم الله تعالى إلا الإيمان. فقال: صدقت وأحسنت فيما فعلت. فكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر مع فضله وغزارة أدبه. سمع ابن الجواليقي من شيوخ زمانه، وأخذ عنه الناس علماً جما، وينسب إليه قليل من الشعر، من ذلك هذان البيتان، وقال بعض المطلعين: وجدتهما من جملة أبيات لابن الخشاب، وهما:

ورد الورى سلمال جوادك فارتووا ... ووقفت خلف الورد وقفة حائم

حيران أطلب غفلة من وارد ... والورد لا يزداد غير تزاحم

قلت: لقد أبدع قائلهما في معناهما، وأجاد وبالغ في مدحه بما تضمنه هذا الإنشاد. وحكى اسماعيل بن الجواليقي المذكور قال: كنت في حلقة والدي يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع القصر - والناس يقرؤون عليه - فوقف عليه شاب وقال: يا سيدي؛ قد سمعت ببيتين من الشعر، ولم أفهم معناهما، وأريد أن تسمعهما مني، وتعرفني معناهما. فقال: قل، فأنشد.

وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها ... وهجرة الناس تصليني بها النارا

فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة ... إن لم يزرني وبالجوزاء إن زارا

فلما سمعهما والدي قال: يا بني؛ هذا شيء من معرفة علم النجوم، وتسييرها لأمر صنعه أهل الأدب، قال: فانصرف ألفاب من غير حصول فائدة، فاستحي والدي من أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015