تعالى لرعيتك، ولم يقم بعد ذلك في المهدية إلا أياماً يسيرة، ثم انتقل إلى بجاي، وأقام بها مدة وهو على حاله في الإنكار، فأخرج منها إلى بعض قراها، واسمها ملال، فوجد بها عبد المؤمن بن علي القيسي. وذكروا في بعض تواريخ المغرب عن سيرة ملوكه أن محمد بن تومرت كان قد اطلع من علوم أهل البيت على كتاب يسمى الجف: بفتح الجيم وسكون الفاء وفي آخره راء - وسيأتي إيضاح الجفر المذكور إن شاء الله تعالى في سنة ثمان وخمسين - وانه رأى فيه صفة رجل يظهر بالمغرب الأقصى بمكان يسمى السوس من ذرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الله عز وجل، يكون مقامه ومدفنه بموضع من المغرب يسمى بترمذ - وسيأتي ضبط حروفه بعد إن شاء الله تعالى - ورأى فيه أيضاً أن استقامة ذلك الأمر واستيلاءه وتمكنه يكون على يد رجل من أصحابه، هجاء اسمه ع ب د م وم ن، وتجاوز وقته المائة الخامسة للهجرة، فأوقع الله في نفسه أنه القائم بأول الأمر، وأن أوانه قد أزف، فما كان يمر بموضع إلا سأل عنه، ولا يرى أحداً إلا أخذ اسمه وتفقد حليته - وكانت حلية عبد المؤمن معه - فبينا هو في الطريق، إذ رأى شاباً قد بلغ أشده على الصفة التي منه، فقال له وقد تجاوزه: ما اسمك يا شاب؟ فقال: عبد المؤمن، فرجع إليه وقال: الله أكبر، أنت بغيتي، فنظر في حليته، فوافقت ما عنده، فقال له: ممن أنت؟ فقال: من كومية - بضم الكاف وسكون الواو وكسر الميم وفتح المثناة من تحت - قبيلة، فقال: أين مقصدك؟ فقال: الشرق، فقال: ما تبغي من الشرق؟ قال: أطلب علماً، قال: فقد وجدت علماً وشرفاً وذكراً، اصحبني تنله، فوافقه على ذلك، فألقى محمد إليه أمره، وأودعه سره. وكان محمد قد صحب رجلاً يسمى عبد الله الونشريشي بالنون بعد الواو ثم الشين المعجمة مكررة قبل الراء والمثناة من تحت وبعدهما - ففاوضه فيما عزم عليه من القيام فوافقه على ذلك أتم الموافقة. وكان الونشريشي ممن تهذب وقرأ فقهاً، وكان جميلاً فصيحاً في لغة العرب وأهل المغوب، فتحدثاً يوماً في كيفية الوصول إلى الأمر المطلوب، فقال محمد لعبد الله: أترى أن تستر ما أنت عليه من العلم والفصاحة عن الناس، وتظهر من العجز واللكن والحصر والتعري عن الفضائل ما تشتهر به عند الناس، ليتخذ الخروج واكتساب العلم دفعة واحدة، ليقوم لك ذلك مقام المعجزة عند حاجتنا إليه، فتصدق فيما تقوله. ففعل عبد الله ذلك.