كن عن همومك معرضاً ... وكل الأمور إلى القضا
فلربما اتسع المضيق ... وربما ضاق الفضا
ولرب أمرمتعب ... لك في عواقبه رضا
الله يفعل ما يشاء ... فلا تكن متعرضا
فلما قرأتها كأنما صب ماء على تلك النار، فرد ذلك الاحتراق، وذهبت تلك الأكدار، وأنشد لسان مقالي في تلك الوقت ما يوافق حالي، وناديت قلبي:
اسمع وخذ بالإشارة ... فيا حسن ما في ضمها من بشارة
ودربي مع ريح القضا حيث دارت ... وسلم لسلمى ثم سر حيث سارت
عسى من خدور الحي تبدو بدورها ... توسلت حتى أقبلتك ثغورها
ألا يا لقومي أعلموني بحيلة ... إلى وصل خودات كعاب جميلة
أراك الحمى قل لي بأي وسيلة ... إذا ما بدت ناديت في كل حيلة
بقطع لأهلي مع فراقي لبلدتي ... وذلي وسيحي في البلاد وغربتي
وإيناس نفسي بعد زفري وحضرتي ... رحمت على صبري على كل كربة
ثم استمريت في مدة يسيرة بشيء من الأشغال والاشتغال بالعلم، مع مزج ذلك يتخلل البطالات، ثم خطر لي عند وقوفي على كلام الفقهاء الذين نحن بصدده هذه الأبيات:
تقضى زماني والقضاء مصرفي ... وكان إلى العلم الشريف تشوفي
وما كانت الأيام إلا قلائلاً ... به ثم مال القلب نحو التصوف
ومن لم يسل في دهره نحوه يمت ... ولم يهو من صاحي جمالاً ويعرف
فإن كنت ذا جهل بمنهج حبه ... ومشربه سل عنه أهل التعرف
قلت وفضل التصوف وأهله أولي الصفاء والأنوار والمعارف والأسرار، والقرب والمنادمات والحضرة والمشاهدات، لا يسعه مجلدات، وقد ذكرت نبذة من ذلك في كتاب الأسرار والنظير، في فضل ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه العزيز، وفضل الأولياء والناسكين، والفقراء والمساكين، وفي كتاب روض الرياحين في حكايات الصالحين، وفي كتاب نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ أولي المقامات العالية، قدس الله تعالى أرواحهم، ونور ضرائحهم ونفعنا ببركاتهم، وجعلنا معهم في محياهم ومماتهم، آمين، ولله در قائلهم في وصف راح الهوى المعمورة من نور الجمال التي سكر بها المحبون أولو الأحوال، حيث أنشد وقال:
هبنا لأهل الدير كم سكروا بها ... وما شربوا منها، ولكنهم هموا