قلت ومن هذا النمط المذكور والعجائب الواقعة في الدهور ما سمعت أنه جاء السيل في جوف الليل، فحمل قرية - وأهلها نائمون - ورمى بهم في البحر، وفيهم صبية عروس طفت على ظاهر الماء كأنها محمولة على سرير، ولم يتغبر كل ما عليها من الطيب والصنعة والحرير بقدرة اللطيف الخبير الذي هو على كل شيء قدير، فوجدت حية قذفها البحر على الساحل، وما مشى من المحذور إليها واصل. وفيها توفي السلطان محمد بن ملك شاه بن ألب أرسلان التركي: غياث الدين أبو شسجاع، وكان فارساً شجاعاً فحلاً، ذا بر ومعروف، وخلف له أربعة أولاد: محمود ومسعود وسليمان وطغرل بك، وقام بعده ابنه محمود وهو أبن أربع عشرة سنة، ففرق الأموال، وقد خلف محمد أحد عشر ألف ألف دينار سوى ما يناسبها من الحواصل. وكان السلطان محمد المذكور لما مات أبوه وقد دخل بغداد، هو وأخوه سنجر، فخلع عليهما الإمام المستظهر بالله، فالتمس محمد المذكور من أمير المؤمنين أن يجلس له ولأخيه فأجيب إلى ذلك، وجلس لهما في قبة التاج، وحضر أرباب المناضب وأبناؤهم، وجلس أمير المؤمنين على سدته، ووقف سيف الدولة ابن مزيد صاحب الحلة عن يمين السدة - وعلى كتفه بردة النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وعلى رأسه العمامة وبين يديه القضيب، وخلع على محمد الخلع السبع التي جرت عادة السلاطين بها، وألبس الطوق والتاج والسوارين، وعقد له الخليفة اللواء بيده وقلده سيفين، وأعطاه خمسة أفراس براكبها، وخلع على أخيه سنجر خلعة أمثاله، وخطب لمحمد بالسلطنة في جامع بغداد - كما جرى عادتهم في ذلك الزمان - وذلك في خمس وتسعين وأربع مائة على ما ذكر بعضهم، وذكر غير واحد من المؤرخين أنها سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة. وذكر بعضهم أن الإمام أبا حامد الغزالي رحمه الله تعالى قال للسلطان محمد ابن ملك شاه: اعلم يا سلطان العالم، أن بني آدم طائفتان: طائفة عقلاء نظروا إلى مشاهدة حال الدنيا وتمسكوا ابامل العمر الطويل، ولم يتفكروا في النفس الأخير، وطائفة عقلاء جعلوا النفس الأخيرة نصب أعينهم، لينظروا ماذا يكون مصيرهم، وكيف يخرجون من الدنيا ويفارقونها وإيمانهم سالم، وما الذي ينزل عن الدنيا إلى قبورهم، وما الذي يتركونه لأعاديهم من بعدهم، ويبقى عليهم وباله ونكاله. ثم إن السلطان محمداً ابن ملك شاه جرت بينه وبين أخيه بركيا روق حروب يطول