وعلى القاضي أبي منصور الطوسي صاحب أبي محمد الجويني. ثم رحل إلى بغداد، ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي رحمه الله وقرأ عليه، وأعاد عنده، وقرأ كتاب الشامل في الفقه على أبي نصر بن الصباغ، ودخل نيسابور صحبة الشيخ أبي إسحاق، وتكلم في مسألة بين يدي إمام الحرمين، فأحسن فيها، وعاد إلى بغداد. وذكر الحافظ عبد الغافر الفارسي في تاريخ نيسابور: وتعين في الفقه بعد أستاذه أبي إسحاق، وانتهت إليه رئاسة الطائمة الشافعية، وصنف تصانيف حسنة منها: كتاب حلية العلماء في المذهب، ذكر فيه مذهب الشافعي، ثم ضم إلى كل مسألة اختلاف الأئمة فيها، وجمع من ذلك شيئاً كثيراً وسماه: المستظهري، وصنف أيضاً في الخلاف، وتولى التدريس بالمدرسة النظامية بمدينة بغداد، وكان قد وليها قبله الشيخ أبو إسحاق وأبو نصر بن الصباغ صحب الشامل، وأبو سعد المتولي صاحب تتمة الإبانة وأبو حامد الغزالي والكيا الهراسي وقد سبق ذكر ذلك في ترجمه كل واحد منهم فلما انقرضوا تولاها هو. وحكى بعض المشايخ من علماء المذهب أنه يوماً ذكر المدرسين، فوضع منديله على عينيه، وبكى كثيراً - وهو جالس على السدة التي جرت عادة المدرسين بالجلوس عليها، وكان ينشد:
خلت الديار فسدت غير مسود ... ومن العناء تفردي بالسؤدد
وجعل يردد هذا البيت ويبكي، قيل: هذا إنصاف منه، واعتراف لمن تقدمه بالفضل والرجحان عليه. قلت وقد يقع مثل هذا البكاء ممزوجاً بفرح بما صار إليه، وقد فرق العلماء بين بكاء الحزن والفرح بأن دمعة ذلك حارة، ودمعة هذا باردة، ذكروا ذلك عند بكاء البكر وقت استئذانها في نكاحها. والبيت المذكور من جملة أبيات في الحماسة. وفي السنة المذكورة توفي الحافظ ذو الرحلة الواسعة والتصانيف: محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني كان أحد الرحالين في طلب الحديث، سمع بالحجاز والشام ومصر والثغور والجزيرة والعراق والجبال وفارس، وخوزستان وخراسان واستوطن همذان. وكان من المشهورين بالحفظ والمعرفة لعلوم الحديث، وله في ذلك مصنفات ومجموعات تدل على غزارة علمه وجودة معرفته، منها أطراف الكتب الستة: وهي صحيحا البخارى ومسلم، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، وسنن ابن ماجة سادسها عند بضهم والموطأ عند بعض. وأطراف الغرائب: تصنيف الدارقطني، وكتاب الأنساب في