فلما رأيت ذلك كرهته، واستوحشت منه، وقلت في نفسي؛ ليت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان حياً فيما بيننا، ليخبرهم بسوء صنيعهم، وما هم عليه من البدعة ومع هذا التفكر كنت أطرد النوم عن نفسي كيلا يأخذني فيفسد طهارتي، فبينا أنا كذلك إذ طرأ علي النعاس وغلبني، فكنت بين اليقظة والمنام، فرأيت عرصة واسعة فيها ناس كثيرون واقفون، وفي يد كل واحد منهم كتاب مجلد، قد تحلقوا كلهم على شخص، فسألت الناس عن حالهم، وعمن في الحلقة فقالوا: هذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهؤلا أصحاب المذهب، يريدون أن يقرؤوا مذاهبهم واعتقادهم من كتبهم على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يصححوها عليه، قال: فبينا أنا كذلك أنظر إلى القوم، إذ جاء واحد من أهل الحلقة - وبيده كتاب - قيل إن هذا هو الشافعي - رضي الله تعالى عنه - فدخل وسط الحلقة، وسلم على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فرأيت رسول الله - صلى الله على وآله وسلم - في جماله وكماله لابساً الثياب البيض النظيفة، من العمامة والقميص وسائر الثياب على زي أهل الصوف، فرد عليه الجواب، ورحب به، وقعد الشافعي بين يديه، وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده، وجاء بعد ذلك شخص آخر قيل هو الإمام الأعظم أبو حنيفة الكوفي - رضي الله تعالى عنه - وبيده كتاب، فسلم وقعد يمين الشافعي، وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده، ثم أتى بعده كل صاحب مذهب إلى أن لم يبق إلا القليل، وكل من يقرأ يقعد بجنب الآخر. فلما فرغوا، إذا واحد من المبتدعة الملقبة بالرافضة - لعنهم الله - قد جاء وبيده كراريس غير مجلدة، وفيها ذكر عقائدهم الباطلة، وهم أن يدخل الحلقة، ويقرأها على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فخرج واحد ممن كان مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وزجره، وأخذ الكراريس من يده، ورمى بها إلى خارج الحلقة وطرده، وأهانه. قال: فلما رأيت أن القوم قد فرغوا، وما بقي أحد يقرأ عليه شيئاً تقدمت قليلاً - وكان
في يدي كتاب مجلد - فناديت وقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكتاب معتقدي ومعتقد أهل السنة، لو أذنت لي حتى أقرأه عليك؟ فقال - عليه السلام -: وإيش ذلك؟ قلت: يا رسول الله، هو قواعد العقائد الذي صنفه الغزالي، فأذن لي في القراءة، فقعدت وابتدأت: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب قواعد العقائد، وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: عقيدة أهل السنة في كلمتي الشهادة التي هي أحد مباني الإسلام. وذكر أنه قرأ العقيدة المذكورة إلى أن انتهى إلى قول الإمام أبي حامد: معنى الكلمة الثانية: وهي شهادة الرسول، وأنه - تعالى - بعث النبي الأمي القرشي محمد - صلى الله عليه