وفيها توفي أبو الحسن بن العلاف علي بن محمد البغدادي الحاجب، مسند العراق. وفيها توفي الإمام حجة الإسلام زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي، أحد الأئمة الأعلام، اشتغل في مبدأ أمره بطوس، على أحمد الزادكاني، ثم قدم نيسابور، واختلف إلى دروس إمام الحرمين أبي المعالي الجويني، وجد في الاشتغال حتى تخزج في مدة قريبة، وصار من الأعيان المشاهير المشار إليهم في زمن أساتذتهم، وصنف في ذلك الوقت، وكان أستاذه يتبجح به، ولم يزل ملازماً إلى أن توفي في التاريخ المذكور في ترجمته، فخرج من نيسابور إلى العسكر، ولقي الوزير نظام الملك، فأكرمه، وعظمه، وبالغ في الإقبال عليه، وكان بحضرة الوزير جماعة من الأفاضل، فجرى بينهم الجدال والمناظرة في عدة مجالس، وظهر عليهم، واشتهر اسمه، وسارت بذكره الركبان، ثم فوض إليه الوزير تدريس مدرسته - النظامية - بمدينة بغداد، فجاءها، وباشر إلقاء الدروس بها، وذلك في جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وأربعمائة. فعجب به أهل العراق، وارتفعت عندهم منزلته، ثم ترك جميع ما كان عليه، وسلك طريق الزهد والانقطاع، وقصد الحج. وذكر في الشذور أنه خرج من بغداد في سنة ثمان وثمانين وأربع مائة متوجهاً إلى بيت المقدس، متزهداً لابساً خشن الثياب، وناب عنه أخوه في التدريس، ثم ذكره في سنة خمس وخمس مائة. فلما رجع توجه إلى الشام، فأقام بمدينة دمشق مدة يذكر الدروس في زاوية الجامع - في الجانب الغربي منه - وانتقل منها إلى بيت المقدس، واجتهد في العبادة وزيارة المشاهدة والمواضع المنظمة، ثم قصد مصر، وأقام بالاسكندرية مدة، ويقال إنه قصد منها الركوب في البحر إلى بلاد المغرب على عزم الاجتماع بالأمير يوسف بن تاشفين صاحب مراكش - وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى فبينا هو كذلك بلغه نعي يوسف المذكور، فصرف عنانه من تلك الناحية، ثم عاد إلى وطنه بطوس. قلت هذه الزيادة في ذكر دخوله مصر والإسكندرية، وقصده الركوب إلى ملك بلاد المغرب غير صحيحة، فلم يذكر أبو حامد في كتابه: المنقذ من الضلال - سوى إقامته ببيت المقدس ودمشق، ثم حج ورجع إلى بلاده والعجب كل العجب، كيف يذكر أنه قصد الملك المذكور لأرب - وهو من الملوك والمملكة هرب - فقد كان له في بغداد الجاه الوسيع، والمقام الرفيع، فاحتال في الخروج عن ذلك، وتعلل بأنه إلى الحج سالك لأداء ما عليه من فروض المناسك، ثم عدل إلى الشام، وأقام بها ما أقام وكذا علماء التاريخ الحفاظ الأكابر ومنهم الإمام الجليل أبو القاسم ابن عساكر - لم يذكر هذه الزيادة التي تنافي رفع همته عن المقاصد الدنية، لإعراضه عن الدنيا والخلق بالكلية، ولما عاد إلى الوطن اشتغل