موضعها مكمناً للصوص، ثم تملك الأندلس بعد وقائع يطول ذكرها، وصار ملكاً للعرب الملثمين. وكان قد ظهر لأبطال الملثمين ضربات بالسيوف تقد الفارس، وطعنات بالرماح تنظم الكلاء، وكان لهم بذلك ناموس ورعب في قلوب المبتدئين لقتالهم، وسموا ملثمين: لأنهم كانوا يلثمون، ولا يكشفون وجوههم. وسبب ذلك على ما قيل إن حمير كانت تلثم لشدة الحر والبرد، يفعله الخواص منهم، فكثر ذلك حتى صار يفعله عامتهم. وقيل سببه أن قوماً من أعدائهم كانوا يقصدون غفلتهم إذا غابوا، فيطرقون الحي، ويأخذون المال والحريم، فأشار عليهم بعض مشائخهم أن يبعثوا النساء في زي الرجال إلى ناحية، ويقعدوا لهم في البيوت ملثمين في زي النساء، فإذا أتاهم العدو، وظنوا أنهم النساء، خرجوا عليهم، ففعلوا ذلك، وثاروا عليهم بالسيوف، وقتلوهم، فلزموا اللثام تبركاً بما حصل لهم من الظفر. وقال الشيخ الحافظ عز الدين بن الأثير في تاريخه الكبير: وقيل إن سبب اللثام أن طائفة منهم خرجوا. مغيرين على عدوهم، فخلفهم العدو إلى بيوتهم، ولم يكن بها إلا الشيوخ والصبيان. فلما تحقق الشيوخ مجيء العدو لهم، أمروا النساء أن يلبسن ثياب الرجال، ويلثمن حتى لا يعرفن، ويلبسن السلاح. ففعل ذلك، وتقدم الشيوخ والصبيان أمامهن، واستدار النساء بالبيوت، فلما أشرف العدو ورأى جمعاً عظيماً، وظنوا رجالاً، وقالوا: هؤلاء عند حريمهم يقاتلون عنهن قتال الموت، فالرأي أن نسوق النعم ونمضي، فإن اتبعونا قاتلناهم خارجاً عن حريمهم، فبيناهم في جميع النعم من المراعي، إذ أقبل رجال الحي، فبقي العدو بينهم وبين النساء، فقتلوا من العدو كثيراً، وكان من قبل النساء لهم أكثر. فمن ذلك الوقت جعلوا اللثام سنة، ولازموا ذلك، فلا يعرف الشيخ من الشاب. ومما قيل في اللثام:

قوم لهم درك العلى في حمير ... وإن أنتم صنهاجة فهم هم

لما حووا إحراز كل فضيلة ... غلب الحياء عليهم فتلثموا

ولما حضرت الوفاة يوسف بن تاشفين عهد بالأمر من بعده إلى ابنه علي الذي خرج عليه ابن تومرت بفتح المثناة من فوق وسكون الواو وفتح الميم والراء وسكون المثناة في آخره. وفيها أو بعدها توفي الإمام العلامة الفقيه الفرضي إسحاق بن يوسف بن ابراهيم بن يعقوب بن عبد الصمد الصروفي، مصئص كتاب الكافي في الفرائض. تفقه بجعفر بن عبد الرحمن، وإسحاق العشاري. وكان علامة في المواريث والحساب، وكتابه دال على علمه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015