قلت وقد أبدى في الثلاثة الأبيات صنعة حسنة من الجناس، فالقافية الأولى مركبة من الشهر والأمر لها بالزيارة، والثانية اسم البلد المعروف، والثالثة إضافة شهر إلى زور: أي الشهر الموعود فيه بوصلك، شهر كذب، ولكن القافية الوسطى مشتملة على الإقواء الذي هو من جملة عيوب القافية، لأن إعرابه على وفق العربية النصب، لكونه مفعولاً ثانياً، على وزن قولك: مشيت إلى الرجل المسمى زيداً، والقافية التي قبلها، والتي بعدها مخفوضتان بالأمر للمؤنثة، والأخيرة بإضافة شهر إليها، لكني قد وجهت للقافية الوسطى في دفع الإقواء المعاب وجهاً من وجوه الإعراب، وهو أن يقال: المراد بالمسمى: السمو، أي: الرفع، كما قال قبله المعلى، ويكون قوله بعده شهر زور مخفوضاً، بدلاً من البلد المخفوض بإلى، ولو قال: إلى البلد المروي، أو المشرق لسلم من الإقواء. ومن جلالة جعفر المذكور أن أبا طاهر السلفي كان يفتخر رويته، مع كونه لقي أعيان ذلك الزمان، وأخذ عنهم. وفيها وقيل في ثلاث وتسعين توفي يوسف بن تاشفين، أمير المسلمين، سلطان المغرب أبو يعقوب البربري الملثم. كان أكبر ملوك الدنيا في عصره ودولته بضعاً وثلاثين سنة، وكان رجلاً شجاعاً عادلاً عديم الرفاهية، تشيب العيش على قاعدة البربر، اختط مراكش، وأنشأها في برج صغير، وصيرها دار الإمارة، وكثرت جيوشه، وبعد صيته، وتملك الأندلس، ودانت له الأمم. وفي آخر أيامه بعث رسولاً إلى العراق يطلب عهداً من المستظهر بالله، فبعث له بالخلع والتقليد واللواء، فأقيمت الخطبة العباسية بممالكه، وكان يميل إلى أهل العلم والدين، ويكرمهم، ويصدر عن رأيهم، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام. ومن ذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا، فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى آخر عملاً يعمل فيه لأمير المسلمين، وتمنى الآخر زوجة ابن تاشفين المذكور وكانت من أحسن النساء ولها حكم في بلاده فبلغه الخبر، فأحضرهم، وأعطى متمني المال ألف دينار، واستعمل للذي تمنى الاستعمال، وقال للذي تمنى زوجته: يا جاهل؛ ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه؟ ثم أرسله إليها، فأنزلته في خيمة ثلاثة أيام، تحمل إليه كل يوم طعاماً واحداً، ثم أحضرته، وقالت له: ما أكلت في هذه الأيام؟ قال: طعاماً واحداً، قالت: كذلك كل النساء شيء واحد، وأمرت له بمال وكسوة، وأطلقته. قلت: وقد سمعت ما يناسب هذا عن بعض ملوك الهند، حكي أنه خرج ملك من