سنة ثمان وستين واربع مائة

فيها حوصرت دمشق، واشتد بها الغلاء، وعدمت الأقوات، ثم تسلم البلد بالأمان، وأقيمت الخطبة العباسية، وأبطل شعار الشيعة من الأذان وغيره. وفيها توفي مقرىء واسط الحسن بن قاسم الواسطي، كان أحد من اجتهد في القراءات، ورحل فيها إلى البلاد، وصنف فيها. وفيها توفي أبو الفتح عبد الجبار بن عبد الله الرازي الواعظ الجوهري. والإمام المفسر أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، أستاذ عصره في النحو والتفسير، تلميذ أبي إسحاق الثعلبي، وأحد من برع في العلم، وصنف التفاسير الشهيرة المجمع على حسنها، والمشتغل بتدريسها، والمرزوق السعادة فيها، وهي البسيط والوسيط والوجيز، ومنه أخذ أبو حامد الغزالي أسماء كتبه الثلاثة، وله كتب أخرى، بعضها فيما يتعلق بأسماء الله الحسنى وكتاب أسباب النزول وشرح كتاب المتنبي شرحاً مستوفي. قيل: وليس في شروحه - مع كثرتها - مثله، وذكر فيه أشياء غريبة، منها أنه تكلم في شرح هذا البيت:

وإذا المكارم والصوارم والقنا ... وبنات أعوج كل شيء يجمع

ثم قال: أعوج: فحل كريم كان لبني هلال بن عامر، وإنه قيل لصاحبه: ما رأيت من

شدة عدوه؟ قال: ضللت في بادية وأنا راكبه فرأيت قطاً يقصد الماء، فتبعته وأنا أغض من لجامه - حتى توافينا الماء دفعة واحدة. وهذا غريب فإن القطا شديد الطيران، وإذا قصد الماء اشتد طيرانه أكثر من غير قصده الماء، وهو كان يمض من لجامه أن يكفه عن شدة العدو. وقيل وإنما لقب أعوج لأنه كان صغيراً، فجاءتهم غارة، فهربوا منها، وطرحوه في خرج، وحملوه لعدم قدرته على المشي معهم لصغره، فاعوج ظهره من ذلك، فقيل له أعوج. والواحدي نسبة قيل إلى الواحد بن مهرة على ما حكاه العسكري. وفيها توفي محدث همدان وزاهداها: يوسف بن محمد الخطيب. وفيها توفي العبد الصالح أبو القاسم يوسف بن محمد الهمداني الصوفي الذي خرج له الخطيب خمسة أجزاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015