وفيها كانت الملحمة الكبرى، وخرج أرمانوس في مائتي ألف من الفرنج والروم والكرج بالجيم فوصلوا إلى منازكرد فبلغ السلطان كثرتهم، وما عنده سوى خمسة عسر ألف فارس، فصبحهم على الملتقى وقال: إن استشهدت فإنني ملك شاه ولى عهدي. فلما التقى الجمعان أرسل بطلب المهادنة، فقال طاغية الروم: لا هدنة إلا بالري، فاحتد ألب أرسلان وجرى المصاف يوم الجمعة والخطباء على المنابر ونزل السلطان وعفر وجهه قي التراب، وبكى وتضرع، ثم ركب، وحمل فصار المسلمون في وسط القوم، وصدقوا فنزل النصر، وقتلوا الروم كيف شاؤوا، وانهزمت الروم، وامتلأت الأرض بالقتلى، وأسر أرمانوس، فأحضر إلى السلطان، فضربه ثلاث مقارع بيده، وقال: ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيت؟ فقال: دعني من التوبيخ، وافعل ما تريد. قال: ما كنت تفعل بي لو أسرتني؟ قال: فما كنت تظن أن أفعل بك؟ قال: إما أن تقتلني وإما أن تشهرني في بلادك، وأبعدها العفو، قال: ما عزمت على غير هذه، ثم فدى نفسه بألف ألف وخمس مائه ألف دينار، وبكل أسير في مملكته، فخلع عليه، وأطلق له عدة من البطارقة، وهادنه خمسين سنة، وشيعه فرسخاً، وأعطاه عشرة آلاف دينار برسم الطريق، فقال: أين جهة الخليفة؟ فعرفوه، فكشف رأسه، وأومى إلى الجهة بالخدمة. وأما المنهزمون ففقدوهم، ولما وصل هذا الخبر إلى أطراف بلده ترهب، وتزهد، وجمع ما أمكنه وكان مائتين وتسعين ألف دينار، فأرسله، وحلف أنه لا يقدر غيره، ثم إنه استولى على بلاد الأرمن. وفي السنة المذكورة سار بعض أمراء الملك ألب أرسلان، فدخل الشام وافتتح الرملة، وأخذها من المصريين، وحاصر بيت المقدس فأخذه منهم، ثم حاصر دمشق، وأغارت عسكره، وأخربوا أعمال دمشق. وفيها توفي أبو حامد الأزهري أحمد بن الحسن النيسابوري، والحافظ أحد الأئمة صاحب التآليف المنتشرة في الإسلام أبو بكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت البغدادي. روى عن أبي عمر بن مهدي وابن الصلت الأهوازي وطبقتهما، ورحل إلى البصرة ونيسابور وأصبهان ودمشق والكوفة والري، وصنف قريباً من مائة مصنف، وفضله أشهر من أن يوصف، وأخذ الفقه عن أبي الحسين المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري. وكان فقيهاً نقلت عليه الحديث والتاريخ، توفي يوم الاثنين سابع ذي الحجة. وقال السمعاني: في