السير وتلخيص ذلك أنه لما قتل عثمان صبرا توجع له المسلمون، وسقط في أيدي جماعة، وكم بكى عليه من محزون، وسالت من بعده دماء الفتن كما تسيل ماء العيون. وصدق قول حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي لمجد الفضائل سما: والله لو كان قتل عثمان حقاً لأمطرتكم السماء رحمة ولكنها أمطرتكم دماً وسار طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنها وعنهم نحو البصرة. قال بعض علماء السنة طالبين الثأر بدم عثمان، وكانت عائشة قد اعتمرت وهي راجعة إلى المدينة، فلما بلغها قتل عثمان رجعت إلى مكة، وأرادوا من ابن عمران يخرج معهم إلى العراق، فامتنع فلما خرجوا من مكة، جاء مروان بن الحكم إلى طلحة والزبير، وقال على أيكما أسلم بالإمارة وأنادي بالصلاة؟ فسكتا فقال عبد الله بن الزبير: على أبي، وقال محمد بن طلحة: على أبي، فأرسلت عائشة إلى مروان أتريد أن ترمي الفتنة بيننا، او قالت بين أصحابنا مروا ابن أختي، فليصل بالناس. يعني عبد الله بن الزبير. وقال بعض المحققين من المتأخرين من أئمتنا خرجوا تغيباً عن الفتنة التي أبدت قرنيها من الشام ورجليها من العراق في ذلك الزمان. وذلك أن إمام الحق علياً كرم الله وجهه أرسل إلى أميري الشام والعراق معاوية وابن عامر يستدعيهما الطاعة والوصول إليه فلم يكن من معاوية إلا تجهيز جيوش الشام وجمع العساكر، وخرج أبو الحسن إلى جهة الكوفة وسارت جيوش العراق بين يديه، فالتقيا بعد وقعة الجمل، وكان من قدر الله في سفك دماء الفريقين ما كان. واعتذر عن ذلك أعلام أئمة السنة بأن معاوية كان طالباً أخذ الثأر من قتلة عثمان إذ كان له نسب في بني أمية وأن علياً لم يمكنه تسليمهم لأخذ الثأر منهم في أول خلافته قبل أن تقوى شوكة الهمة العلية. ثم وقعت وقعة الجمل بينه وبين طلحة والزبير ومن معهما، وذلك أنه رآهم خارجين عن طاعته، فاعترضهم من المدينة ليردهم من بعض الطرق، ففاتوه وسلموا من لزمه التعويق، فتقدموا حتى أتوا البصرة، واستعانوا منها ببيت المال ومن أهلها بالنصرة، وأرسل علي رضي الله عنه إذ فاتوا إلى المدينة يستدعي بالعدد والعدد طالباً بذلك الاستعانة على الحرب والمدد. عالماً بأن ما فعلوا ذلك إلا والخلاف منهم وقد اشتد، وأرسل ابنه الحسن إلى الكوفة مع ناصر الحق عمار. يستنفران من فيها رجاء المعونة والانتصار، ثم لما وصل إلى العراق ليردهم إلى طاعته خرج معه أهل الكوفة، وخرج معهم أهل البصرة، وحاول الصلح والرجوع إلى مبايعته، فلما عزموا عليه ثار الأشرار، ورموا بين