يا رب لا أقوى على دفع الأذى ... وبك أستغيث من الضعيف الموذي
ما لي بعثت إلي ألف بعوضة ... وبعثت واحدة إلى نمرود
وله:
وقائلة ماذا الشجون وذا الضنا ... فقلت لها قول المشوق المتيم
هواك أتاني وهو ضيف أعزه ... فأطعمته لحمي وأسقيته دمي
وفيها توفي الإمام العلامة أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأموي مولاهم، الفارسي الأصل، الاندلسي القرطبي، صاحب المصنفات. مات مشرداً عن بلده من قبل الدولة، وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن، وسعة العلم بالكتاب والسنة، والمذاهب والملل والنحل، والعربية والأدب، والمنطق والشعر، مع الصدق والديانة والحشمة، والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب، هكذا وصفه الذهبي بهذه الأوصاف. وقال ابن خلكان: كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب انتقل إلى مذهب أهل الظاهر، وكان متفنناً في علوم جمة عاملاً بعلمه زاهداً في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له، ولاية من قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعاً ذا فضائل جمة، وتواليف كثيرة، وسمع سماعاً جماً وألف في فقه الحديث كتاباً سماه الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع، أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين، وكتب أخرى كثيرة منها كتاب اظهار تبديل اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل وبيان تناقص ما بأيديهم من ذلك، ممن ما لا يحتمله التأويل. وهذا معنى لم يسبق إليه وكتاب التقريب بحد المنطق والمدخل أتى فيه بالأمثال العامة والأمثلة الفقهية، سلك في بيانه وإزالة سوء الظن عنه وتكذيب المحرفين به طريقة لم يسلكها أحد قبله. وكان شيخه في المنطق محمد بن الحسن المذحجي بسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة والجيم المعروف بابن الكتاني، وكان أديباً شاعراً طبيباً، له في الطب رسائل وكتب في الأدب. وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح الحميدي: ما رأينا مثله فهماً، اجتمع له مع الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس واليدين، وما رأيت من يقول الشعر في البديهة وأسرع منه. ثم قال: أنشدني لنفسه:
لئن أصبحت مرتحلاً بجسمي ... فروحي عندكم أبداً مقيم