الكتاب الذي سماه الدرر والغرر وهي مجالس املأها يشتمل على فنون من معاني الأدب، تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك، وهو كتاب يدل على فضل كبير وتوسع في الاطلاع على العلوم. وذكره ابن بسام الأندلسي في أواخر كتاب الذخيرة فقال: هذا الشريف إمام أئمة العراق بين الاختلاف والافتراق، إليه فرغ علماؤها وأخذ عنه عظماؤها، صاحب مدارسها، وجامع شاردها وآنسها، ممن سارت أخباره، وعرفت بها أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره، وتواليفه في أصول الدين، وتصانيفه في أحكام المسلمين، مما يشهد أنه فرغ تلك الأصول، وأهل ذاك البيت الجليل وأورد له عدة مقاطع، فمن ذلك قوله:
ولما تفرقنا كما شاءت النوى ... بين ود خالص وتودد
كأني وقد سار الخليط عشية ... أخو جنة مما أقوم وأقعد
قيل ومعنى البيت الأول من هذين البيتين مأخوذ من قول المتنبي:
إذا اشتبكت دموع في خدود ... تبين من بكى ممن تباكى
ومما نسب إلى المرتضي أيضاً رضي الله تعالى عنه:
مولاي يا بدر كل داجية ... خذ بيدي قد وقعت في اللجج
حسنك ما تنقضي عجائبه ... كالبحر جد عنه بلا حرج
بحق من خط عارضيك ومن ... سلط سلطانها على المهج
مد يديك الكريمتين معاً ... ثم إدع لي من هواك بالفرج
وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي أن أبا الحسن علي بن أحمد الفالي الأديب كانت له نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، ودعته الحاجة إلى بيعها، فباعها، واشتراها الشريف المرتضى بستين ديناراً، وتصفحها، فوجد فيها أبياتاً بخط بائعها أبي الحسن الفالي:
أنست بها عشرين حولاً وبعتها ... لقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها ... ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية ... صغار عليهم تستهل شؤوني
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم من رب بهن ضنين
وهذا الفالي منسوب إلى فالة بالفاء وهي بلدة بخوزستان وملح الشريف المرتضى وفضائله كثيرة. وكانت ولادته في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.