قلت: وهذا مختصر تنقلات جرت له في الأحوال والبلدان، منها خوارزم وجرجان ودهستان وقزوين، والري وبخارى وهمدان وأصفهان، وبست وطوس، واجتمع بولاتها لخوارزم شاه، وشمس المعالي قابوس، وشمس الدولة، وعلاء الدولة، وكان نادرة عصره في علمه وذكائه وتصانيفه، صنف كتاب الشفاء في الحكمة والنجاة والإشارات والقانون وغير ذلك، مما يقارب مائة تصنيف، ما بين مختصر ومطول ورسالة في فنون شتى، وله رسائل بديعة، منها رسالة الطير وغيرها، وهو أحد فلاسفة المسلمين، وله شعر، من ذلك قوله:
هبطت إليك من المحل الأرفع ... ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف ... وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كره إليك وربما ... كرهت فراقك وهي ذات تفجع
أنفت وما ألفت فلما واصلت ... ألفت مجاورة الخراب البلقع
وأظنها نسيت عهوداً بالحمى ... ومنازلاً بفراقها لم تقنع
حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها ... من ميم مركزها بذات الأجرع
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت ... بين المعالم والطلال الخضع
تبكي وقد نسيت عهوداً بالحمى ... ومدامع تهمي ولما تقلع
حتى إذا قرب المسير الى الحمى ... ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع
وغدت تفرد فوق ذروة شاهق ... والعلم يرفع كل من لم يرفع
وقعود عالمه بكل خفية ... في العالمين فخرقها لم يرقع
فهبوطها إن كان ضربة لازم ... ليكون سامعه بما لم تسمع
فلأي شيء أهبطت من شاهق ... شام إلى قعر الحضيض الأوضع
إن كان أهبطه الإله بحكمة ... طويت على الفطن اللبيب الأورع
إذ عاقها الشرك الكثيف وصدها ... قفص عن الأوج الفسيح الأرفع
وكأنها برق تألف بالحمى ... ثم انطوى وكأنه لم يلمع
قال وفضائله مشهورة كثيرة. وكان الشيخ كمال الدين بن يونس - يقول: إن مخدومه سخط عليه، واعتقله، ومات في السجن، وكان ينشد:
رأيت ابن سينا يعادي الرجال ... وفي السجن مات أخس الممات
فلم يشف ما نابه بالشفاء ... ولم ينج من موته بالنجاة