الدولة بن حمدان غرر القصائد ونخب المدائح، وكان قد أعطاه فرساً أدهم أغر محجلاً فكتب إليه.
يا أيها الملك الذي أخلاقه ... من خلقه، ورؤاه من رأيه
قد جاءنا الطرف الذي أهديته ... هادية تعقد أرضه بسمائه
أولاته وليتنا فبعثته ... رمحاً يشيب العرف عقد لوائه
نجياك منه على أغر محجل ... ما للدياجي قطرة من مائه
فكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتض منه فخاض في أحشائه
في أبيات أخرى. وله أيضاً في سيف الدولة.
لم يبق جودك لي شيئاً أوصله ... تركني أصحاب الدنيا بلا فعل
وهذا المعنى، فيه يقول البحتري:
وقطعتني بالجود حتى إنني ... متخوف أن لا يكون لقاء
أخجلتني تبدي يديك فسودت ... ما بيننا تلك الندا البيضاء
وفي معناه أيضاً قول دعبل:
أصلحتني بالبر حتى أفسدتني ... وتركتني أتسخط الإحسانا
وهذا المعنى مطروق للشعراء. وما ألطف قول المعري فيه:
لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ... والعذب يهجر للإفراط في الخصر
الخصر بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة وبعدها راء: البرد الشديد. والمعنى: إن الماء إذا أفرط في شدة برودته ترك شربه، وقال محمد بن وشاح: سمعت عبد العزيز بن نباتة يقول: كنت يوماً في دهليزي، فدق علي الباب، فقلت: من؟ قال: رجل من أهل المشرق. فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوعت الأسباب والداء واحد
فقلت نعم، فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم. ثم كذلك ذكر أنه سأله آخر من المغرب، فأجابه كذلك وقال: عجبت كيف وصل إلى الشرق والغرب. ولعبد العزيز المذكور أيضاً:
متع لحاظك من خل تودعه ... فما أخالك بعد اليوم بالوادي
قال أبو الحسن محمد بن علي البغدادي صاحب كتاب المفاوضة عدت أبا نصر بن