قلت هكذا رأيت أن أذكر عذر عثمان رضي الله تعالى عنه في ذلك. وأما قول الذهبي: طرده النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما استخلف عثمان أدخله المدينة وأعطاه مائة ألف من غير ذكر عذر لعثمان، فإطلاق قبيح يستشنعه كل ذي إيمان بفضل الصحابة أولي الحق والإحسان.

سنة اثنتين وثلاثين

فيها توفي العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن ست وثمانين سنة ومن مناقبه من عقبه جميع الخلفاء المعروفين ببني العباس، وأن عمر رضي الله تعالى عنه استسقى به في خلافته بكونه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسقوا. وكان يوم حنين هو وابن أخيه أبو سفيان بن الحارث، احدهما آخذ بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والآخر آخذ بركابها لما انهزم المسلمون إلا جماعة منهم، فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبادي بأصحاب الشجرة ثم بالأنصار، فردوا لما عرفوا صوته وكان صيتاً ينادي من جبل صلع غلمانه وهم في الغابة من آخر الليل، فيسمعهم، ومسافة ذلك قدر ثمانية أميال. وتوفي في السنة المذكورة عبد الرحمن بن عوف الزهري، احد العشرة المشهود لهم بالجنة، وصنائعه معروفة، وسعة غنائه بالمكارم محفوفة منها أنه باع مرة أرضاً بأربعين ألف دينار، فتصدق بها، ومنها ما ورد أنه تصدق بعير له كبيرة أقبلت من الشام، وبما عليها من أنواع البضائع. قلت وذكر الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني في كتاب المقتبس قال: قتل عبيد الله بن معمر التيمي لأربعين سنة برستاق من رساتيق اصطخر في زمن عثمان بن عفان، ولم يبين في أي سنة، وقال اشترى عبيد الله بن معمر جارية فارهة بعشرين ألف دينار، كانت تسمى الكاملة في عمل الغناء وجودة الضرب ومعرفة الألحان والقرآن والشعر والكتابة وفنون الطبيخ والعطر، وكانت عند فتى قد أدبها لنفسه، وكان بها معجباً وواجداً بها وجداً شديداً، فلم يزل ينفق عليها حتى أتلف واحتاج، فحمل يسأل اخوانه. قلت ذلك حيناً، وهو في نكد وضيق شديد في معيشتهما، فقالت الجارية والله إني لأرى لك، وأشفق عليك، وأرغب بك، عن ما أنت فيه، ولو أنك بعتني، نلت غنى الدهر ولعل الله أن يصنع لنا جميلاً، فحملها إلى عبيدة الله بن معمر فأعجبته، فاشتراها بالثمن المذكور، فلما قبض الفتى المال، استشعر كل واحد منهما إلى صاحبه فأنشدت.

هنيئاً لك المال الذي قد حويته ... ولم يبق في كفي إلا تفكري

أقول لنفسي وهي في عين كربة ... أقلي فقد بان الحبيب أو اكثري

طور بواسطة نورين ميديا © 2015