سلطان تسلطت بعزه، أو علم يقع الإشارة إليك به. إنك لو قدرت نفسك بقدرها، أو وزنتها بميزانها، ولم يذهب بك البتة مذهباً لما عددت أن تكون شاعراً مكتسباً فامتقع لونه، وغض بريقه، وجعل يلين في الاعتذار، ويرغب في الصفح والاعتذار، ويكرر الإيمان أنه لم يتبين، ولا اعتمد التقصير في. فقلت: يا هذا، إن قصدك شريف في نسبه تجاهلت نسبه، أو عظيم في أدب صغرت أدبه، أو متقدم عند سلطان حفظت منزلته، فهل المجد تراث لك دون غيرك؟ كلا والله، لكنك مددت الكبر ستراً على نقصك، وضربته رواقاً حائلاً دون مباحثك، فعاود الاعتذار نقلت: لا عذر لك مع الإصرار، وأخذت الجماعة في الرغبة أني في مباشرته وقبول عذره واستعمال الأناة الذي تستعملها الحرمة عند الحفيظة، وأنا على شاكلة واحدة في تقريعه وتوبيخه، وذم خليقته، وهو يؤكد القسم أنه لم يعرفني معرفة ينتهز معها الفرصة في قضاء حقي، فأقول لم يستأذن عليك باسمي ونسبي، أما في هذه الجماعة من كان يعرفني لو كنت جهلتني؟ وهب أن ذلك كذلك، ألم تر شاربي. أما شممت عطر نشري؟ ألم تميز في نفسك عن غيرك. وهو في أثناء ما أخاطب به وقد ملأت سمعه تأنيباً وتفنيداً يقول: خفف عليك، أكفف عن عزتك، اردد من صورتك، فإن الأناة من شيم مثلك فأصحب حينئذ جانبي له، يعني: انقاد بعد صعوبته، ولانت عريكتي في يده، واستحييت من تجاوز الغاية التي انتهيت إليها في معاتبة، وذلك بعد أن روضته رياضة الصعب من الإبل، وأقبل علي معظماً، وتوسع في تقريظي مفخماً، وأقسم أنه ينازع منذ ورد العراق ملاقاتي، ويعد نفسه بالاجتماع معي، ويسومها التعلق بأسباب مودتي، فحين استوفى القول في هذا المعنى استأذن عليه فتى من الفتيان الطالبين الكوفيين، فأذن له، فإذا حدث مرهف الأعطاف يمثل به نشوة الصبي، فتكلم، فأعرب عن نفسه، وإذا لفظ رخيم، ولسان حلو وأخلاق فكهة، وجواب حاضر وثغر باسم في إناة الكهول ووقار المشايخ، فأعجبني ما شاهدته من شمائله، وملكني ما تبئنته من فضله، فجازاه أبياتاً. ومن ها هنا كان افتتاح الكلام بينهما في إظهار سرقاته ومعايب شعره.
قلت هذا ما نقله ابن خلكان مع خلل في ألفاظ يسيرة من نقله، قال: وقد طال الكلام، لكنه لزم بعضه بعضاً، فما أمكن قطعه وهذه الرسالة تشتمل على فوائد جمة، فإن كان كما ذكر أنه أبان له جميعها في ذلك المجلس، فما هذا الاطلاع عظيم. قلت: والأمر على ما ذكر ابن خلكان، أعني إن كان هذا الكلام صدر عنه في مجلس واحد فقد أبدع ما صنع، وجمع من الفوائد.
فيها توفي الإمام الكبير الشهير أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي، شيخ المغرب، وإليه انتهت رئاسة المذهب. قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدين والدنيا،