وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي: محمد بن أحمد بن شمون لسان الوقت، والمرجوع إليه في آداب الظاهر، يذهب إلى أشد المذاهب، وهو إمام التكلم على هذا الشأن في الوقت، والمعبر عن الأحوال بألطف بيان، مع ما يرجع إليه من صحة الاعتقاد، وصحبة الفقراء.

وروى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر بسنده إلى أبي بكر الأصفهاني خادم الشيخ أبي بكر الشبلي قال: كنت بين يدي الشبلي في الجامع، يوم الجمعة، فدخل أبو الحسين ابن شمعون وهو صبي على رأسه قلنسوة فجاز علينا، وما سلم، فنظر الشبلي إلى ظهره وقال: يا أبا بكر: أتدري أي شيء لله تعالى في هذا الفتى من الذخائر.

وبسند الحافظ أبي القاسم إلى النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأموي قال: كان القاضي أبو بكر الأشعري، وأبو حامد يقبلان يد ابن شمعون يعني الإمامين ناصر السنة وقامع البدعة شيخ الأكابر من أئمة الأصول الجهابذة الحذاق، والإمام الكبير السيد الشهير شيخ طريقة العراق. قال: وكان القاضي - يعني الباقلاني - يقول: ربما خفي علي من كلامه بعض شيء لدقته.

وروى الحافظ أبو القاسم أيضاً بسنده: إنه كان في أول عمره ينسخ بأجرة، ويعول بأجرة نسخه على نفسه وعلى أمه، وكان كثير البر لها فجلس يوما ينسخ وهي جالسة بقربه فقال لها: أحب أن أحج، قالت: يا ولدي، كيف يمكنك الحج، وما معك نفقة، ولا لي ما أنفقه. إنما عيشنا من أجرة هذا النسخ، وغلب عليها النوم، فنامت، وانتبهت بعد ساعة فقالت: يا ولدي، حج، فقال لها: منعت قبل النوم، وأذنت بعده. فقالت: رأيت الساعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: دعيه، فإن الخيرة له في حجه في الآخرة والأولى. ففرح، وباع من دفاتره ماله قيمة، ودفع إليها من ثمنها نفقتها، وخرج مع الحجاج، فأخذ العرب الحاج، وأخذ في الجملة.

قال ابن شمعون: فبقيت عرياناً، فوجدت مع رجل عباءة كانت على عدل، فقلت له: هب لي هذه العباءة أستر نفسي بها، فقال: خذها، فجعلت نصفها على وسطي، ونصفها على كتفي وكان عليها مكتوب: يا رب سلم مبلغ رحمتك، يا أرحم الراحمين. وكنت إذا غلب علي الجوع، ووجدت قوماً يأكلون، وقفت أنظر إليهم، فيدفعون إلي كسرة، فأقنع بها ذلك اليوم. ووصلت إلى مكة، فغسلت العبادة، وأحرمت بها، وسألت أحد بني شيبة أن يدخلني البيت. وعرفته فقري، فأدخلني بعد خروج الناس، وأغلق الباب، فقلت: اللهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015