وأخذوا جميع ما في دار الخلافة، حتى الرخام والأبواب، واستباحت الرعاع قلع الشبابيك، وأقبل القادر بالله أحمد ابن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله، وله يومئذ أربع وأربعون سنة، وكان كثير التهجد والخير والبر، صاحب سنة وجماعة.
وفيها توفي العبد الصالح المقرىء مصنف " كتاب الغاية " والشامل في القراءات: الأستاذ أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني ثم النيسابوري. قال الحاكم: كان إمام عصره في القراءات، وأعبد من رأينا من القراء، وكان مجاب الدعوه.
وفيها توفي القائد أبو الحسن جوهر بن عبد الله المعروف بالكاتب الرومي، كان من موالي المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي صاحب الإفريقية. جهزه في جيش كثيف ليفتتح ما استعصى من بلاد المغرب، فسار إلى فاس، ثم إلى سجلماسة، ثم توجه إلى البحر المحيط فاتحاً للبلاد، وصاد من سمك البحر، وجعله في قلال الماء، وأرسله إلى المعز، ثم رجع ومعه صاحب فاس أسير في قفص حديد. وقد مهد البلاد، وحكم على أهل الزيغ والعناد من إفريقية إلى البحر المحيط من جهة المغرب، وفي جهة المغرب مر إفريقية إلى أعمال مصر، ولم يبق بلد من هذه البلاد إلا أقيمت فيه دعوته، وخطب له في جميعه جمعيه وجماعية إلا مدينة سبتة فإئها بقيت لبني أمية أصحاب الأندلس.
ولما وصل الخبر إلى المعز بموت كافور الإخشيذي صاحب مصر، بعث المعز القائد جوهراً المذكور إلى جهة المغرب لإصلاح أموره، وجميع قبائل العرب، وجنى القطائع التي كانت على البربر، وكانت خمسمائة ألف دينار، وخرج المعز بنفسه إلى المهدية، فأخرج من قصور آبائه خمسمائة حمل دنانير، وعاد إلى قصره، وعاد جوهر بالرجال والأموال، فجهزه إلى الديار المصرية ليأخذها، وسير معه العساكر في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، فتسلم مصر، وصعد المنبر خطيباً، ودعا لمولاه المعز ووصلت البشائر إلى المعز بأخذ البلاد وأقام بها حتى وصل إليه المعز وهو نافذ الأمر واستمر على علو منزلته وارتفاع درجته متولياً للأمور إلى سابع عشر المحرم سنة أربع وستين، فعزله المعز، وكان محسناً إلى الناس ولما توفي لم يبق شاعر إلا رثاه.
وكان سب انفاذ مولاه المعز إلى مصر أن كافورا الإخشيذي كما تقدم بسكون