ووقع في ورقته " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء " سورة البقرة، الآية 261، ثم دعا به، وخلع عليه، وقلده عملاً يرتفق به، ومن المنسوب إلى الوزير المذكور في وقت الإضافة من الشعر، ما كتبه إلى بعض الرؤساء قوله، وقيل أنه لأبي نواس:
ولو أني استزدتك فوق ما بي ... من البلوى لأعوزك المزيد
ولو عرضت على الموتى حياة ... لعيش مثل عيشي لم يزيدوا
وقال أبو إسحاق الصابي، صاحب الرسائل: كنت يوماً عند الوزير المهلبي، فأخذ ورقة وكتب، فقلت:
يديها يد برعت جوداً بنائلها ... ومنطق درة في الطرس ينتثر
فخاتم كامن في بطن راحته ... وفي أناملها سحبان مستتر
وكان من رجال الدهر عزماً وحزماً وسؤدداً وعقلاً وشهامة ورأياً.
وفيها توفي علي بن إسحاق البغداي الزاهي الشاعر المشهور، كان وصافاً محسناً، كثير الملح، أحسن الشعر في التشبيهات وغيرها.
ومن قوله في تشبيه البنفسج.
ولا زور دية تزهو بزرقتها ... بين الرياض على جمر اليواقيت
كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت
ويروى: فوق طاقات، ومن محاسن شعره:
وبيض بألحاظ العيون كأنما ... هززن سيوفاً أو سللن خناجرا
تصدين لي يوماً بمنعرج اللوى ... فغادرن قلبي بالتصبر غادرا
سفرن بدوراً وانتقبن أهلة ... ومسن غصوناً والتفتن جآذرا
واطلعن في الأخبار بالدر أنجماً ... جعلن لحيات القلوب صرائرا
وهذا تقسيم ظريف، قد استعمل جماعة من الشعراء، لمكنهم قصرت بهم القريحة عن بلوغ هذه الصنيعة. ونحوه قول المتنبي:
بدت قمراً ومالت خوط بان ... وفاحت عنبر أورثت غزالا
قلت: ولست أدري أيهما سلك طريق الآخر تابعاً له في هذه المآخذ، وهما متعاصران. توفي المتنبي بعده في سنة أربع.