وقال أبو بكر الضبعي: ما عرفنا الجدل والنظر حتى ورد علينا أبو علي الثقفي في العراق وذكره السلمي في طبقات الصوفية.

وفيها توفي أبو الحسن محمد بن أحمد بن شنبوذ المقرىء البغدادي، أحد الأئمة من مشاهير القراء وأعيانهم، وكان ديناً، وقيل كان فيه سلامة صدر وحمق منفرداً بقراءة الشواذ، وكان يقرأ بها في المحراب، فأنكر عليه ذلك، وبلع علمه أبا علي ابن مقلة الوزير فاستحضره واعتقله في داره أياماً، ثم استحضر القاضي أبا الحسين عمر بن محمد والمقرىء أبا بكر المعروف بابن مجاهد وجماعة من أهل القرآن، وأحضر ابن شبنوذ المذكور، ونواظر في حضرة الوزير، فأغلظ في الحديث للوزير وللقاضي وللمقرىء ابن مجاهد، ونسبهم إلى قلة المعرفة وغيرهم، بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر واستشار القاضي أبا الحسين المذكور، فأمر الوزير ابن مقلة بضربه، فأقيم، وضرب سبع درر، فدعا وهو يضرب على الوزير ابن مقلة بأن يقطع الله تعالى يده، ويشتت شمله وكان الأمر كذلك، كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى. وأنكر ما كان ينكر عليه من الحروف التي كان يقرأ بها مما هو شنيع، وقال فيما سوى ذلك، فرابه قوم، فاستتابوه فقال: إنه رجع عما كان يقرأ، وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وكاتب علي الوزير محضراً بما قاله، وكتب بخطه ما يدل على توبته.

ومما حكي أنه كان يقرأ: فامضوا إلى ذكر الله، وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً، وليكن منكم فئة يدعون إلى الخير وغير ذلك.

وفيها توفي الوزير أبو علي محمد بن علي بن الحسن بن مقلة الكاتب المشهور كان في أول أمره يتولى بعض أعمال فارس، ويجبي خراجها، وتنقلت أحواله إلى استوزره الإمام المقتدر، فخلع عليه، فبقي في الوزارة سنتين وشهرين، ثم نفاه إلى بلاد فارس بعد أن صادره، ثم استوزره الإمام القاهر بالله، فأرسل إليه إلى فارس رسولاً يجيء به، ورتب له نائباً، فوصل يوم الأضحى من سنة عشرين وثلاثمائة، ولم يزل وزيره إلى اتهمه بالمعاضده على الفتك به. وبلغ ابن مقلة الخبر فاستتر.

ولما ولي الراضي بالله سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة فاستوزره أيضاً، وكان المظفر ياقوت مستحوذاً على أمور الراضي. وكان بينه وبين ابن مقلة وحشة وقرر ابن ياقوت الغلمان أنه إذا جاء قبضوا عليه، وأن الخليفة لا يخالفه في ذلك، وربما سره. فلما حصل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015