قرى البصرة، وقيل كورة ذات قراء.
وفيها توفي الإمام الحافظ اللغوي العلامة أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري، صاحب التصانيف، عاش ثمانياً وتسعين سنة. قال بعضهم: ما رأيت أحفظ من ابن دريد، ما رأيته قرىء عليه ديوان إلا وهو يسابق في قراءته. وقال الدارقطني: تكلموا فيه، وتصانيفه بضع عشرة منها: " كتاب الجمهرة "، وهو من الكتب المعتبرة في اللغة. و " كتاب غريب القرآن " ولم يكمله، و " كتاب الوشاح " صغير مفيد، وله نظم رائق جداً. وقد قال بعضهم: ابن دريد أعلم بالشعر، وأشعر العلماء. ومن مليح شعره قوله:
عن الوجلت الخدور شعاعها ... للشمس عند طلوعها لم تشرق
غصن على دعص تأود فوقه ... قمر تألف تحت ليل مطبق
لو قيل للحسن احتكم لم يعدها ... أو قيل خاطب غيرها لم ينطق
فكأننا من فرعها في مغرب ... وكأننا من وجهها في مشرق
تبدو فتهف بالعيون ضياؤها ... الويل حل بمقلة لم تطبق
أخذ عن أبي حاتم السجستاني والرياشي وعبد الرحمن بن عبد الله ابن أخي الأصمعي، وأبي عثمان سعيد بن هارون وغيرهم، وتنقل في البلدان، فسكن البصرة وعمان ونواحي فارس وصحب ابني ميكائيل وكانا يومئذ على عمالة فارس وعمل لهما " كتاب الجمهرة "، وقلداه ديوان فارس، وكانت تصدر كتب فارس عن رأيه، ولا ينفذ الأمر إلا بعد توقيعه، فأفاد منها أموالاً عظيمة.
وكان مبيداً لا يمسك درهماً شحاً وكرهاً. ومدحهما بقصيدته المقصورة، فوصلاه بعشرة آلاف درهم، وهكذا، قال ابن خلكان: ابني ميكائيل.
وقال في موضع آخر من تاريخه في مدح عبد الله بن محمد بن ميكائيل وولده ويقال أنه أحاط فيها بأكثر المقصورة أولها:
إما تري رأسي حاكى لونه ... طرة صبح تحت أذيال الدجى
واشتعل المبيض في مسودة ... مثل اشتعال النار في جزل الفضا
ثم انتقل ابن دريد من فارس إلى بغداد سنة ثمان وثلاثمائة بعد عزل ابني ميكائيل وانفصالهما إلى خراسان، فأمر المقتدر أن يجرى عليه كل شهر خمسون ديناراً، ولم تزل جارية عليه إلى حين وفاته. وكان واسع الرواية، وعرض له في رأس تسعين من عمر، فالج،