وفيها أو قبلها توفي أبو عبد الله الزبير بن أحمد الزبيري الفقيه الشافعي المازني والزبيري نسبة إلى الزبير بن العوام كان إمام أهل البصرة في عصره ومدرسها، حافظ المذهب، مع حظ من الأدب. قدم بغداد وحدث بها عن جماعة، وروى عنه النقاش صاحب التفسير وآخرون. وكان ثقة صحيح الرواية، وله مصنفات كثيرة منها: " الكافي " في الفقه، و " كتاب رياضة المتعلم "، و " كتاب النية "، و " كتاب الهداية "، وغير ذلك من الكتب، وله في المذهب وجوه كثيرة.
فيها تجهز مؤنس والعساكر إلى بغداد، فأشار الأمراء على المقتدر بالإنفاق على العساكر، فعزم على التوجه إلى واسط في الماء ليستخدم منها ومن البصرة والأهواز، فقال له محمد بن ياقوت: اتق الله ولا تسلم بغداد بلا حرب. فلما أصبحوا ركب في موكبه وعليه البردة وبيده القضيب، والقراء والمصاحف حوله، والوزير خلفه فسبق بغداد إلى الشماسية، وأقبل مؤنس في جيشه، وشرع القتال، فوقف المقتدر على تل، ثم جاء إليه ابن ياقوت وأبو العلا بن حمدان، فقال له: تقدم، وهم يستدرجونه حتى صار في وسط المصاف في طائفة قليلة، فانكشف أصحابه، وأسر منهم جماعة، وأبلى ابن ياقوت وهارون بن غريب بلاء حسناً، وكان معظم جيش مؤنس خادم البريد، فعطف جماعة من البريد على المقتدر، فضربه رجل من خلفه ضربة فسقط إلى الأرض، وقيل رماه بحربة وجز رأسه بالسيف، ورفع على رمح، ثم سلب ما عليه، وبقي مهتوك العورة حتى ستر بالحشيش، ثم حفر له حفرة، فضمته وعفى أثره، وكانت خلافته خمساً وعشرين سنة إلا بضعة عشر يوماً. وكان مسرفاً مبذراً، ناقص الرأي، يمحق الذخائر، حتى أنه أعطى بعض جواريه الدرة اليتيمة، وزنها ثلاثة مثاقيل، يقال أنه ضيع من الذهب ثمانين ألف دينار.
وفي أيامه اضمحلت دولة الخلافة العباسية وضعفت. قالوا: وكان جيد العقل والرأي، لكنه يؤثر اللعب والشهوات، غير ناهض بأعباء الخلافة. وكانت أمه وخالته والقهرمانة يدخلن في الأمور الكبار والولايات والحل والعقد.
ولما حمل رأس المقتدر إلى مؤنس بكى وندم وقال: قتلتموه، والله لتقتلن كلنا. فأظهروا أن قتله كان عن غير قصد، ثم بايعوا القاهر بالله الذي قد بايعوه في سنة سبع عشرة،